الثلاثاء، 3 أبريل 2012

هل يعيد التاريخ نفسه .. هذا هو ما حدث للأخوان سنة 1954 !






إذا حدث تشابه بين ما سوف تقرؤه بعد قليل وبعض الأحداث التي تمر بها البلاد هذه الأيام , فمن المؤكد أننا لسنا مسئولين لا عما حدث في أعقاب ثورة يوليو , ولا عما آلت إليه الظروف بعد ثورة يناير .. لسنا مسئولين أيضا عن نظرية المؤامرة التي قد تقفز إلي ذهنك وأنت تقرأ .. فعلي رأي المثل " كل واحد متعلق من عرقوبه " .. والآن نتوكل علي الله , ونبدأ .
مليونية محمد نجيب ! 
 
مخطئ من يتخيل أن ' المظاهرة المليونية ' اختراع حصري بدأ انتاجه في مصر يوم 25 يناير .. بل يعود لسنوات طويلة وبالتحديد 27 مايو 1954 , فقد خرج عشرات الآلاف من المصريين بعد صلاة الجمعة من المساجد والمنازل والأحياء الشعبية للتعبير عن رفضهم لقرارات مجلس قيادة الثورة ' المجلس العسكري بتوصيف هذه الأيام ' وكانت أبرزها إقالة الرئيس محمد نجيب والذي كان يقف معه الاخوان المسلمون وجناح في الجيش يطالب بعودة العسكر إلي ثكناتهم وإجراء الانتخابات , بينما الطرف الآخر يتزعمه جمال عبد الناصر ورغم أنهم أقلية لكنهم كانوا يمتلكون النفوذ السياسي ووسائل الإعلام ويطالبون بتأجيل الانتخابات ويعارضون عودة الجيش إلي ثكناته , بل وأقروا تمديد الفترة الانتقالية وتعيين مجلس رئاسي يؤهل الشعب للانتخابات   , في مارس 1954 دبرت قوي الفريق الثاني ( الأقلية ) مظاهرات ضخمة اعترف عبد الناصر فيما بعد أنها تكلفت ألفي جنيه , ونجحت هذه المظاهرات في رفض قرار إلغاء الأحكام العرفية ( قانون الطوارئ ) الذي وعد به إعلان دستوري لمجلس قيادة الثورة قبل شهر يوليو 1954 , ووفرت غطاء سياسيا لاستمرار الفترة الانتقالية , لكن جمعة ' إعادة نجيب ' أجبرت مجلس قيادة الثورة علي التراجع عن قرار إقالته , لكن سرعان ما تمت الإقالة عقب تدبير إضراب المواصلات العامة التي شلت الحياة المصرية   لاحظ أن اضراب المواصلات العامة عشناه أيضا في سبتمبر 2011 , لكن اللافت هنا أن اضراب عمال النقل العام منذ 50 عاما لم يكن هدفه زيادة رواتبهم .. بل للمطالبة بمنع فلول النظام السابق من العودة عن طريق الأحزاب والانتخابات ورفض مشروع دستور 1954 وقد حدث ذلك بالفعل , وتم تأجيل العملية الديمقراطية كلها !

بيان مجلس قيادة الثورة

ولو عدنا للوراء قليلا سنجد فارقا رئيسيا بين أيام 23 يوليو 1952 وأيامنا حاليا , فالصحف الغربية الآن لا تجد من السياسيين من تتحدث معه ليتكلم باسم الثورة , فلا واحد منهم يمكنه الادعاء بأنه يستحق ذلك   , بينما قديما نجد مثلا مجلة لايف الأمريكية الشهيرة قامت عن طريق محررها دافيد دوجلاس دنكان بعمل حوار مع محمد نجيب في عدد 25 أغسطس 1952  تكلم فيه عن أحرج 6 ساعات في الثورة , واللافت هنا درس لكل وسائل الإعلام المصرية نتمني أن تتعلمه حاليا .. فقد قالت في مقدمة الحوار : إنها إذ تعرض حديث نجيب باعتباره وثيقة تاريخية , فإنها تشير بالطبع إلي أن هذه هي رواية النخبة العسكرية للقصة , وهي تعكس في جوانبها الروح الوطنية لأصحابها , لكنها لا تمثل الحقيقة الكاملة ! أيضا لافت للنظر توصيف محمد نجيب للرجال الذين كانوا يحكمون مصر قبل قيام الثورة , وهو وصف يمكن تعميمه علي العادلي ورشيد ونظيف وغالي ومنصور وغيرهم , قال : لقد صرنا الآن متأكدين من أن الذين كانوا يديرون شئوننا في الحرب ليسوا سوي رجال باعوا للشيطان نفوسهم وأبناء وطنهم بل وحتي أبناءهم , إن الخسة التي تربوا عليها هم وأرواحهم الشريرة كانت دافعا لهم علي خيانة وطنهم , لقد   شعرنا بمرارة ونحن نري بلادنا مطروحة في التراب . فقررنا أن نكرس أنفسنا لإحياء كرامتها وبعثها من جديد .
وفي جريدة الأخبار وبعد تخلي الثورة عن كل وعودها وإقالة محمد نجيب , جاء مانشيت جريدة ' الأخبار ' علي النحو التالي : عبد الناصر يحذر من قوي الثورة المضادة !
بيان لمرشد الاخوان

الاخوان !

في عدد مجلة الدعوة - التي كانت تصدرها جماعة الاخوان المسلمين - الصادر في 21 ديسمبر 1952 قال الأخ صالح عشماوي أحد قادة الجماعة : عند أول عهدي بمكتب الإرشاد ثار سؤال : هل يتقيد فضيلة المرشد برأي المكتب أم أن له أن يخالفه إذا شاء؟ ! وكان رأي الإمام الشهيد أن الشوري ليست ملزمة , وإن له أن يخالف رأي إجماع المكتب , والغريب أن صحف الاخوان طرحت كلاما نعيشه حاليا من خلال عشرات الشباب الذين يخرجون من الجماعة بسبب عدم التزامهم بقرارات مكتب الإرشاد أو رفضهم لسياسة الجماعة ,  ففي العدد الأول من مجلة النذير تم نشر مقال للشيخ عبدالرحمن الساعاتي قال فيه : ' استعدوا يا جنود , وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد , وامضوا إلي حيث تؤمرون , خذوا هذه الأمة برفق وصفوا لها الدواء فكم علي ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل , فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد , وجرعوها الدواء بالقوة , وإن وجدتم في جسمها عضوا خبيثا فاقطعوه , أو سرطانا خطيرا فأزيلوه . فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر , وفي عيونهم عمي '  !!
وكما يربط البعض بين ما يعتبرونه تحالفا تم بين الاخوان والنظام السابق في انتخابات 2005 .. لا ننسي أن الاخوان تحالفوا مع الملك السابق ووصفوه بالفاروق , وبعد ثورة يوليو قالوا : إن الملكية نظام لا علاقة له بالإسلام , فقد افتتحت ' الدعوة ' عددها رقم 122 الصادر في 23 يونيو 1953 بالترحيب بإعلان الرئيس محمد نجيب - وقتها - إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بمقال كتبه صالح العشماوي جاء فيه   ' الحق أن الإسلام لا يعرف الملكية كنظام للحكم , فهو لا يقر وراثة الحكم , ولا يعترف لأحد بقداسة فوق القانون , ولاشك أن النظام الجمهوري هو أقرب الأنظمة إلي نظام الحكم في الإسلام , وأخيرا أعلنت الجمهورية في مصر ولكن أي نوع من الجمهوريات؟ لن يرضي الشعب بغير ' الجمهورية الإسلامية ' ولن نقبل غير الإسلام نظاما , ولن نرضي بغير القرآن دستورا '  , كما حملت الصفحة الرئيسية للجريدة وقتها وكانت في حجم ' التابلويد ' صورة مؤسس الجماعة الراحل الشيخ حسن البنا , وتحتها كتبت : وصية .. أيها الإخوان المسلمون اسمعوا .. وجاء فيها : أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم , فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا , يحال فيها بيني وبينكم إلي حين , فلا أستطيع أن أتحدث معكم أو أكتب إليكم , فأوصيكم أن تتدبروا هذه الكلمات وأن تحفظوها ان استطعتم , وأن تجتمعوا عليها .. وان تحت كل كلمة معاني جمة .. أنتم لستم جمعية خيرية , ولا حزبا سياسيا , ولا هيئة موضوعة لأغراض محدودة المقاصد , ولكنكم روح جديدة تسري في قلب هذه الأمة , ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة , ومن الحق الذي لا غلو فيه , أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلي عنه الناس .
لكن هنا نتوقف أمام ظاهرة غريبة فعلا , ففي عام 1954 كان هناك جدل شديد حول العلاقة بين الدين والدولة وتخوف لا يزال موجودا لدي البعض - من سيطرة الإخوان المسلمين علي الحكم , وتأثير ذلك علي النموذج الذي كان يصبغ الحياة المصرية منذ عهدها الملكي , ومن نوادر ذلك الجدل فوز مصرية لأول مرة - وربما تكون المرة الوحيدة والأخيرة - بلقب ملكة جمال الكون بعد تتويجها ملكة لجمال مصر , واسمها أنتيجون كوستندا من مواليد الإسكندرية وتنتمي للجالية اليونانية , وكانت تلك المسابقة تجري سنويا في مصر ويتم خلالها استعراض المتسابقات بأزياء مختلفة منها ملابس البحر ( المايوه )  , العلمانيون حينها رأوا مثل ذلك النموذج بريقا عالميا لمصر قد ينطفئ في ظل الدولة الدينية التي لن تقبل بمسابقة كهذه , بينما كان الإسلاميون لا يتحدثون عن هذا الجانب وغيره باعتباره قشورا وعيبا وحراما .
عدد الاهرام 22 ديسمبر 1952


الفلول

في 1954 كانت هناك حملة تحريض وللمصادفة تتكرر حاليا حتي ولو بدون قصد - من كتاب ومفكرين وإعلاميين صوروا للشعب أن عودة الحياة النيابية والأحزاب ستؤدي لعودة الفلول والفساد والإقطاع من جديد , مثلا جريدة ' المصري ' وكانت من أبرز صحف هذه الفترة نشرت في عدد 26 مارس 1954  مانشيتات تعالوا نتأملها , وللعلم كلها لم تتحقق فيما بعد , قالت   : الإفراج عن الهضيبي وعودة جميع المعتقلين ,  حل مجلس الثورة يوم 24 يوليو وتسليم البلاد لممثلي الشعب ,  السماح بقيام الأحزاب , مجلس الثورة لا يؤلف حزبا , رئيس الجمهورية تنتخبه الجمعية التأسيسية , لا حرمان من الحقوق السياسية حتي لا تتأثر حرية الانتخابات , تشكيل حكومة مدنية محايدة تجري الانتخابات , إلغاء الأحكام العرفية والإفراج عن جميع المعتقلين . إلغاء القضاء الاستثنائي وإباحة الطعن في أحكامه , وفي نفس اليوم علي صفحات الأهرام كان المانشيت هو ' محاسبة من استغلوا نفوذهم وأفسدوا الحياة السياسية , حرمانهم من الجنسية والحقوق السياسية والوظائف العامة وإلزامهم برد أموال الأمة .
 
لكن كل هذا أنقلب تماماً عقب حادث المنشية الشهير والذى مايزال غامضاً حتى الآن وسط ادعاءات بأن محاولة اغتيال عبد الناصر على يد الإخوان كانت " مسرحية " .. وأخرى تؤكد أنها حقيقة ،  ففي مارس 1954 اندلعت الأزمة الأولى عقب ثورة يوليو 1952، عندما احتدم الصراع على السلطة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة، ما أدى إلى حل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال قياداتهم قبل وقوع ''حادث المنشية''، الذي جرت خلاله ما قيل إنها محاولة فاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر، تم على إثرها تصفية كوادر الجماعة ومحاكمتهم عسكرياً ، وبدأت أحداث الاعتقالات في 9 نوفمبر 1954 حيث ألقي القبض علي العديد من أفراد الجماعة، صدرت ضدهم أحكام بالسجن بدأت من عشر سنوات إلي الأشغال الشاقة المؤبدة ، إلا أن سبعة من أعضاء الجماعة البارزين صدرت في حقهم أحكاماً بالإعدام وهم محمود عبد اللطيف، يوسف طلعت، إبراهيم الطيب، هنداوي دوير، محمد فرغلي، عبد القادر عودة، وحسن الهضيبي الذي خفف الحكم عليه إلي الأشغال الشاقة المؤبدة ، نُظرت قضية الإخوان الأولي أمام ما عرف حينها بـمحكمة الشعب ذات الطبيعة العسكرية برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات انتهت القضية في 4 ديسمبر 1954، وكان من بين من حكم عليهم محمد مهدي عاكف – المرشد السابق - الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه خرج عام 1974 في عهد الرئيس محمد أنور السادات بعد أن قضي عشرين عاماً في السجون ..
 ورغم تغير الأحوال تماماً فى مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فى 2012 بالمقارنة بعام 1954 ، كما إن جماعة الأخوان نفسها لم تعد كما كانت منذ 60 عاماً ، مايزال السؤال يطرح نفسه ، هل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ؟!

المصدر : بوابة الشباب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق