الأربعاء، 4 أبريل 2012

التجرؤ علي الأديان باسم الإبداع‏..إفلاس فكري



جاءت وثيقة الأزهر الشريف حول الحريات لتضع حدا فاصلا بين حرية الإبداع وقداسة الأديان السماوية‏,‏ وتبين الخطوط الفاصلة والضوابط التي يجب مراعاتها في الأعمال الأدبية وإلا كانت عبثا مرفوضا‏.
كما حددت الوثيقة القاعدة الأساسية التي تحكم حرية الإبداع بمدي قابلية المجتمع وقدرته علي استيعاب عناصر التراث والتجديد في الإبداع الأدبي والفني ما لم تمس المشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة, وأن الإبداع الأدبي والفني من أهم مظاهر ازدهار المجتمعات وأشدها فاعلية في تحريك وعي المجتمع وإثراء وجدانه, وكلما ترسخت الحرية الرشيدة كان ذلك دليلا علي تحضره, فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات وتعبير صادق عن ثوابتها ومتغيراتها.
والإبداع كما جاء في الوثيقة ينقسم إلي إبداع علمي يتصل بالبحث العلمي الذي يرتبط بأخلاقيات العلم ومناهجه وثوابته, وقد كان كبار علماء المسلمين مثل الرازي وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم أقطاب المعرفة العلمية وروادها في الشرق والغرب قرونا عديدة, والثاني هو الإبداع الأدبي والفني, والذي يتمثل في أجناس الأدب المختلفة, من شعر غنائي ودرامي, وسرد قصصي وروائي, ومسرح وسير ذاتية وفنون بصرية تشكيلية, وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية, وأشكال أخري مستحدثة في كل هذه الفروع, والآداب والفنون في جملتها تستهدف تنمية الوعي بالواقع, وتنشيط الخيال, وترقية الإحساس الجمالي, وتثقيف الحواس الإنسانية, وتوسيع مداركها, وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع, كما تقوم بنقد المجتمع أحيانا والاستشراف لما هو أرقي وأفضل منه, وكلها وظائف سامية تؤدي إلي إثراء اللغة والثقافة, وتنشيط الخيال, وتنمية الفكر, مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية.
وألقت الوثيقة علي عاتق العاملين في مجال الخطاب الديني والثقافي والسياسي ووسائل الإعلام مراعاة البعد القيمي في ممارساتهم, وتوخي الحكمة في إبداع وتكوين رأي عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق, ويحتكم إلي الحوار ونبذ التعصب, وينبغي لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامي السمح الذي كان يقول فيه أكابر أئمة الاجتهاد: رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب, ومن ثم فلا سبيل إلي تحصين حرية الرأي والإبداع سوي بمقارعة الحجة بالحجة طبقا لآداب الحوار, وما استقرت عليه الأعراف الحضارية في المجتمعات الراقية.
ويحدد علماء الدين الإسلامي ضوابط حرية الفكر والإبداع في المنهج الإسلامي, مؤكدين أنها ليست علي إطلاقها, ويقول الدكتور سعد الدين هلالي, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: حرية الإنسان تقف دائما عند حقوق وحرية الآخر, وإذا ترك فكر الإنسان بلا حدود لأهلك نفسه وأساء إلي ربه, ومن ثم وجب علي الإنسان أن يستخدمه فيما يعود عليه وعلي بني جنسه بالنفع, سواء في الأمور الديانية كالتعرف علي الخالق الرزاق, أو الأمور الحياتية كتناغم المخلوقات في منظومة تريح النفس وتسلي الأرواح. كما يجب علي الإنسان أن يتوقف عندما يجد فكره قد أساء إلي خالقه, أو إلحاق الضرر بالإنسان فمن أهم الضوابط التي يجب أن تحكم فكر الإنسان, التوقف عندما ينسحب الفكر إلي المساس بالذات الإلهية, فالإنسان سيد في الكون وليس السيد علي الكون, وربما يغره فكره ويغويه شيطانه أن يخوض فيما ليس له من الذات الإلهية, ولأن الخالق يجب أن يتصف بكل كمال يليق بذاته وإلا ما كان خالقا, قال تعالي: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(الشوري:11), وقال سبحانه: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير
أما ثاني تلك الضوابط فهو التوقف عندما ينسحب الفكر إلي الضرر أو الإضرار, فالعلاقة بين الناس في إعمار الأرض بالحياة والمدنية علاقة تكاملية لقوله تعالي: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض( البقرة:251). والفكر الإنساني يجب أن يسير في هذا الاتجاه, فإن أثمر ضررا أو إضرارا وجب أن يتوقف لكونه تحول إلي آفة مدمرة للحياة, ولا يجوز التمسك به بدعوي حرية الفكر أو الإبداع. ولذلك وجدنا من القواعد الفقهية المتفق عليها قاعدة: الضرر يزال, وتعني أن كل ما يرتب ضررا بغير حق علي الضرورات الخمس, وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال, تجب إزالته; لأن الشريعة نصبت نفسها حامية لتك الضرورات. وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عباس, أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار, وأخرج ابن ماجه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلي الله عليه وسلم قضي أن لا ضرر ولا ضرار.
ومن الفكر المنهي عنه لضرره تسفيه وسب آلهة المشركين, كما قال تعالي: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلي ربهم مرجعهم فينبهم بما كانوا يعملون( الأنعام:108) فهذا نهي للرسول والمؤمنين عن سب آلهة المشركين لما يترتب عليه من مفسدة.
المصدر : بوابة الأهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق