الثلاثاء، 17 أبريل 2012

الغـــزل الســــياسي باســـم الــدين‏!‏


ربما لا يعرف أغلبية الشعب المصري شيئا عن جماعة أهل الحل والعقد‏..‏ تلك الفكرة التي ينوي المهندس خيرت الشاطر تطبيقها ـ إذا حالفه التوفيق ـ في الفوز بمنصب رئيس الجمهورية‏,‏ لكي تعاون البرلمان‏..‏
وما أن طرح الشاطر فكرته, التي يريد استرجاعها من زمن الخلفاء الراشدين بعد مرور مئات السنين, في وقت لدينا فيه برلمان منتخب, ودولة مؤسسات, وطموح في دستور توافقي يبني مصر الحديثة, حتي ثارت تساؤلات عديدة: فمن هم أهل الحل والعقد, ومتي ظهروا في التاريخ الإسلامي؟.. وهل من المناسب إنشاء مثل هذه الجماعة في زمن البرلمانات المنتخبة, والمؤسسات الدستورية؟ وما هي معايير اختيار أعضائها؟.. وما مهمتهم؟.. وهل يتدخلون في عمل السلطة التشريعية؟ وهل آراؤهم استشارية أم إلزامية؟.. التساؤلات كثيرة, ونترك الإجابة عليها لأهل العلم والاختصاص.. وإليكم التفاصيل:
في البداية, يري الدكتور رفعت سيد أحمد خبير الإسلام السياسي أن ما طرحه المهندس خيرت الشاطر مرشح الرئاسة من استدعاء جماعة أهل الحل والعقد مرة أخري من التاريخ الإسلامي ما هو إلا محاولة لمغازلة التيار السلفي في مصر, كما يسعي من وراء الفكرة لمغازلة جمهور من الناس, لا يقرأ ولا يهتم بالمتابعة, وتسكره الكلمات والمصطلحات, ولا يوجد مبرر لاستعادة جماعة أهل الحل والعقد في هذا الزمان, ذلك أن واقع الحياة السياسية المصرية, والمراكز الاستشارية, والثقافية, والبرلمان يعدون من أهل الحل والعقد, فنحن في عالم معاصر تري فيه فقه المواطنة, واجتهادات دستورية وسياسية, تتفوق علي مفهوم أهل الحل والعقد التي نشأت في مجتمعات بسيطة, أما الآن فالواقع مختلف وهناك تيارات, وأيديولوجيات, وأديان, وتحديات مختلفة وكثيرة, ومن ثم فإن هذه الفكرة لا تتناسب والعصر الذي نعيشه, فنحن نعيش في زمن يحتاج إلي إقامة دولة المؤسسات والقانون.
وبشكل عام, فإن أهل الحل والعقد ـ كما يراها الدكتور ناجح إبراهيم الداعية الإسلامي ومؤسس الجماعة الإسلامية ـ كانوا موجودين في الدولة الإسلامية الأولي, وفي كتب الفقه, وهم ليسوا موجودين في الدولة العصرية.. فالآن حل البرلمان محلهم وقد يكون اقتراح المهندس خيرت الشاطر قد صدر عنه عفوا ودون قصد.
أهل الحل والعقد ـ كما يراهم الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق ـ هم مجموعة من علماء الدين الموثوق بهم, الذين درسوا وعرفوا المحكم والمتشابه, والناسخ والمنسوخ, وأسباب النزول, والحديث المتواتر, وخبر الآحاد, والصحيح والسقيم, والموضوع, كما يعرفون الفقه ومذاهبه, ثم هم أيضا علماء الاقتصاد والمتخصصون في السياسة, ويعرفون ألاعيبها, ويعرفون دهاليزها, وما ينبغي أن تكون عليه وهم علماء الاجتماع الذين يعرفون ظروف الناس وأحوالهم, مايصلحها. وهم كذلك علماء الهندسة والطب والزراعة.
وقد نشأت في عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز وكانت تجتمع برئاسته, وتضم كل التخصصات, ويستشيرهم في كل أمر من الأمور, ويأخذ برأيهم فيما يري أنه في مصلحة الناس, ولا غضاضة في انشاء جماعة اهل الحل والعقد اذا تم اختيارها بشكل محايد, وليس فيه ميل لهذا او لذلك.. لكن في زماننا هذا هناك فصائل وعشائر وتحكمنا الدنيا وليس الدين, وكل منا يستعين بفصيلته وعشيرته, ومن يتوافقون مع رؤيته, ومذهبه, وان حدق فأن الاختيار في تشكيلها يجب ان يكون للافضل والانسب والأكفأ. ولاشك ان الحديث عن استعادة اهل الحل والعقد هو مجرد دعاية سياسية لدغدغة مشاعر الناس.
اهل الحل والعقد ــ كما يقول الدكتور عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الاسلامية بالازهر وعميد كلية اصول الدين السابق ــ هي فكرة قديمة تجاوزها الزمن, والقائلون بها يبرهنون علي انهم عاجزون عن ادراك السياسة الشرعية من جانب, والواقع الاسلامي من جانب آخر.. والسياسة من الأمور المتغيرة, وهي أمور دنيوية تركها الإسلام مفتوحة وفق قواعد السياسة, ونظام الحكم في الاسلام يقوم علي اربعة اعمدة هي الحرية والمساواة والعدالة والشوري واذا تحققت هذه الاركان كان نظام حكم اسلاميا, واذا سقطت واحدة منها اصبح الحكم غير اسلامي ولو اطلق الحاكم علي نفسه لقب امير المؤمنين
وقد تسببت جماعة اهل الحل والعقد في عهد الخلفاء الراشدين حتي مئات السنين في تكريس الاستبداد, حيث كان كثير من الخلفاء يختارون اهل الحل والعقد علي هواهم, ويميلون مع الحاكم حيث مال, وكانوا يسكتون علي الظلم والاستبداد, ولان فكرة اهل الحل والعقد كانت مجالا للمفاسد والاستبداد, فأن الاخذ بها في عصرنا هذا هو باب جديد لنفس المفاسد والاستبداد.

ويسأل هل سيختار الحاكم اهل الحل والعقد من مختلف الانتماءات, و التيارات, والتخصصات.. ام سيختارهم لمجرد انهم اعضاء في مجلس شوري جماعة الاخوان المسلمين, مشيرا الي ان اعضاء مجلس الشعب في زماننا هذا هم اهل الحل والعقد, فهم منتخبون من الشعب, وهم اكثر اطلاعا بظروفهم وقضاياهم.
وأهل الحل والعقد ـ كما يراهم الشيخ جمال قطب ـ النائب السابق بالبرلمان ورئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا ـ هم أحد مؤسسات التجربة الدستورية الإسلامية.. وليس لهذه المؤسسة عضوية متخصصة في الفقه أو علم الشريعة فقط, لكنهم مجموعة من الخبراء في مختلف التخصصات.. وهم أشبه بخلاصات النقابات المهنية, وهؤلاء يستطيعون القيام بدورين.. الأول: هو تصفية المرشحين للمناصب العامة حتي لا يختار المواطن من عدد كبير من المرشحين ربما لا يعرف عنهم شيئا, وربما يكون المرشحون ـ لاعتبارات معنية ـ دون خبرة تصلح للوظائف المتقدمين لها.. أما الاختصاص الثاني فهو حقهم العلمي والفني في توجيه النقد للقائمين علي الوظائف العامة حتي تتمكن المؤسسة النيابية من مساءلتهم ومحاسبتهم.

المصدر الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق