الثلاثاء، 26 يونيو 2012

فضائيات‏..‏ تبيع الوهم للمشاهدين الرقية الشرعية‏..‏ بين الدين والخرافة‏!‏


تحقيق‏:‏ إبراهيم عمران



إعلان تليفزيوني يروج لشيخ يدعي الخبرة في الرقية الشرعية من الحسد‏,‏ وآخر يدعي قدرته علي إبطال السحر‏,‏ وثالث يزعم أنه القادر علي قهر الجان وإخراجه من جسد الإنسان‏!!‏
اتصالات تليفونية مدفوعة الأجر, وإعلانات وبرامج لا تتوقف ليل نهار تروج لمشايخ الرقية الشرعية, وفي كل الأحوال فإن المشاهد هو الذي يدفع الثمن لمن يبيعون له الوهم ليل نهار عبر شاشات الفضائيات في ظل غيبة الرقابة وعلماء الدين!!
وإذا كانت آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة, قطعت بحقيقة السحر والحسد والمس الشيطاني, ودلت علي جواز الرقية الشرعية بالآيات القرآنية والأدعية للخلاص منهم, فإن علماء الدين يحذرون من الوهم الذي تبيعه الفضائيات, ويؤكدون حرمة علاج السحر بالسحر أو الذهاب إلي المنجمين والعرافين والمتاجرين بالدين تحت دعوي الرقية الشرعية من السحر والحسد. وفي ظل ضعف الوعي الديني السليم, والظروف الراهنة التي تمر بها البلاد من اضطرابات وغياب الرقابة علي هذه القنوات التي هدفها الأول والأخير الربح المادي, ينفي علماء الأزهر وجود ما يسمي بالمشايخ المتخصصين في العلاج بالقرآن ويؤكدون أن هؤلاء يستغلون ذلك في النصب باسم الدين والتكسب به, وأن الأصل في التداوي بالقرآن أن يكون من تقي عالم وليس دجالا ينصب علي المواطنين.
الكبائر والمهلكات
رفض عدد من علماء الأزهر ما يساق من أدلة شرعية علي جواز فك السحر بالسحر مؤكدين أن فك السحر لا يكون إلا بالرقية الشرعية, لأن اللجوء إلي السحرة شرك بالله, والسحر من الكبائر المهلكات واستدل العلماء علي ذلك بقول النبي صلي الله عليه وسلم:( من أتي كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما انزل علي محمد) خصوصا وأن الساحر يستخدم طلسمات ورموزا غالبا ما تكون نوعا من القسم علي الكفر والشرك بالله أخذوها عن الجان, والساحر لا يملك من أمر نفسه شيئا فالنافع والضار هو الله, قال تعالي: واتبعوا ما تتلوا الشياطين علي ملك سليمان وما كفر سليمان ولـكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل علي الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتي يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق( البقرة:102).
ويؤكد الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, أن السحر من الكبائر والمهلكات التي يجب اجتنابها لخطورتها علي الإنسان من جميع النواحي الاجتماعية والدينية وأضاف قائلا: الشريعة الإسلامية نهت عن الذهاب إلي الدجالين والمشعوذين لقول النبي صلي الله عليه وسلم( اجتنبوا السبع الموبقات) إحداها السحر.. مؤكدا أن طلب الاجتناب ابلغ من المنع, لأن النبي صلي الله عليه وسلم تبرأ ممن يسحر أو يسحر له أو من يذهب إلي العرافين والمشعوذين واعتبره كافرا, وعلي الجميع أن يعلموا أن كل شيء بقضاء الله تعالي وقدره وان الإنسان مهما كانت قدرته لا يملك من أمر نفسه شيئا وان الأمر كله لله, فهو المالك للكون جميعه وهو المتصرف في ملكه لأنه فعال لما يريد والإنسان لا يستطيع أن ينفع نفسه وبالتالي فلا ينفع غيره ولا يستطيع أن يضر ولا ينفع إلا بإرادة من الله عز وجل.
الشفاء من السحر
وحول كيفية الشفاء من السحر, يقول الدكتور أحمد عمر هاشم, رئيس جامعة الأزهر, إن الشفاء من السحر أمر هين, إذ يجب أن يستقر في أعماق المؤمن أن أحدا من الناس لا يمتلك له ضرا ولا نفعا إلا إذا أراد الله وقضي, وإن الساحر مهما برع في سحره لن يستطيع أن ينال من المسحور إلا بإذن الله. واستدل الشافعية بما رواه أبوهريرة أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: اجتنبوا السبع الموبقات, قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق عليه. ودل الحديث علي أن السحر ليس من الشرك بإطلاق, ولكن منه ما هو معصية موبقة كقتل النفس وشبهها. واستدلوا أيضا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن مدبرة لها سحرتها استعجالا لعتقها فباعتها عائشة ولم تقتلها. قال ابن قدامة تعليقا علي أثر عائشة: لو كفرت لصارت مرتدة يجب قتلها ولم يجز استرقاقها. والسحر ثابت في القرآن والسنة فلقد ورد التوجه الإلهي إلي النبي( صلي الله عليه وسلم) وإلي كل مؤمن بالاستعاذة به سبحانه وتعالي من همزات الشياطين وحضورهم, كما ورد أن النبي( صلي الله عليه وسلم) كان يعوذ نفسه ويقرأ المعوذتين وينفث في كفيه ويمسح به علي رأسه ووجهه وما أقبل من جسده.
جواز الرقية
ويقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعه الأزهر إن العلماء اجمعوا علي جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط, أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته, وباللسان العربي وما يعرف معناه, وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالي, وأفضل الرقي ما كان ثابتا عن النبي, كان إذا أوي إلي فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده, يبدأ بهما علي رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
ويوضح أنه تستحب رقية الصالحين وأهل البر قال ابن القيم:(الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني, إذا كان علي لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالي, فلما عز هذا النوع فزع الناس إلي الطب الجسماني وتلك الرقي المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل, يجمع إلي ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم.) فالرقي بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنها سلاح, والسلاح بضاربه لا بحده فقط فينبغي علي العبد أن يقبل علي معاني الإيمان إقبال المتيقن من نفعها بإذن الله لا إقبال الممتحن لربه ولا المجرب المتشكك في شرعه سبحانه.
ويؤكد أن هناك مشكلة كبيرة هي أن بعض الإحصائيات في هذا المجال تقول إن هناك أرقاما فلكية في هذا المجال منها إحصائية تؤكد أن الملايين تنفق في هذا المجال أكثر ما ينفق المراهق علي الموبايل لهؤلاء الدجالين, وقال إن هناك فئة من هؤلاء تعالج بالقرآن يكون لهم زعماء ونشطاء, وارجع هذا الجهل من عامة الناس إلي ضعف الخطاب الديني, الأمر الذي أدي إلي تحول هؤلاء إلي صنايعية همهم الأول والأخير هو جمع المال عن طريق الشعوذة والدجل.
كما طالب بضرورة فرض رقابة صارمة علي هذه القنوات التي تستغل الدين في التكسب باسم الدين, موظفين هؤلاء المشعوذين في خدمتهم باتخاذ اجراءت وسن قوانين حازمة لمعاقبة هؤلاء الذين يريدون نشر الدجل والشعوذة, في تكسب غير شرعي وينتهك الحرمات ـ آثم شرعا ـ ومنتهك لحرمة كتاب الله عز وجل, وعلي المجتمع المسلم أن يحاصر هؤلاء ويفضح أساليبهم لأنهم يمارسون علنا ويجدون من يروج لهم ولذلك يجب أن تفرض عليهم رقابة لكشف كذبهم.
الرقية جائزة بشروط
ويقول الدكتور محمد إسماعيل البحيري أستاذ العقيدة وإمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينه نصر, إن الذين يتخذون الرقية سبيلا للثراء والتلاعب بعقول وقلوب ضعاف الإيمان, خاصة بعد افتتاح فضائيات عديدة المجال فتحت الباب واسعا للراقين الذين يعلنون عن أنفسهم للتربح عن قصد ونية بما لا يرضي الله, معتبرا أن استمرار وجود هذه الممارسات من قبل هؤلاء ومساعدة الفضائيات لهؤلاء وسط الصخب الإعلامي المتكاثر بصورة مفزعة يدل علي ضعف الإيمان واستمرار الجهل والفقر واستثمار البعض من النصابين والمحتالين, تحت شعار التدين والحديث باسم القرآن في محاولة للتكسب باسم الدين من خلال من يتاجرون بالعلاج بالقرآن ويحتالون علي الفقراء بل وصل الأمر بهم إلي النصب علي الفئة المثقفة والأغنياء بأنهم قادرون علي علاج كل الأمراض عن طريق الرقية, مستغلين الفضائيات التي تروج لهم لتحقق مكاسب مادية علي حساب الدين والقرآن من خلال هؤلاء الذين يطلق عليهم شيوخ.
وفي النهاية يوضح الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة, أن الرقية أو الشفاء بالرقية لا يجوز عملها إلا من خلال متخصصين في البحث النفسي, دارسين لعلم الطب والنفس, أما من يتلو بعض الآيات علي الماء ويعطيها لهؤلاء فهذا يعد شعوذة ودجلا ونصبا علي الناس, ويجب أن يعرفو أن هؤلاء يشوهون الإسلام.
ويوضح أن هذه الظاهرة تنتشر بوضوح في الأوساط الأمية التي يستغل فيها الأدعياء بعض الناس وبخاصة الفقراء الذين يعانون من مرض نفسي يحتاج إلي طبيب نفسي, ومثل هذه الظواهر تدل علي ضعف العقيدة وفساد ذمة هؤلاء الذين يعالجون بالقرآن وهم لا يفهمون القرآن الكريم, وطالب علماء الدين بضرورة توعية الناس عن طريق القنوات الفضائية التي تخدم مصالح الوطن, مؤكدا أن هناك تقصيرا واضحا من أغلب العلماء تجاه هؤلاء اللذين يتاجرون باسم الدين, وطالب بضرورة معرفة أسباب تفشي وشيوع تلك الظاهرة وكيفية علاجها, مؤكدا أن سبب ذلك هو الأمية الدينية لدي أغلب المواطنين, ويؤكد أنه ليس هناك رقية شرعية مستشهدا بقوله الله تعالي: اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون لأن استمرار ذلك يدل علي ضعف الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق