نشرت مجلة “نيوزويك” الأميركية الاثنين 2/1/2012، تحقيقاً مطولاً عن السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وما يثور حولها من شكوك تتعلق بذمتها المالية ومسؤوليتها عن جزء على الأقل من الفساد في المؤسسات والهيئات التي كانت تترأسها.
ويقول التحقيق إن سيدة مصر الأولى سابقا كانت تتحكم بمصر من وراء الستار وتحقق الربح من بؤسها، وإنها ما زالت – بعد سنة على الثورة – تعيش عيشاً منعماً. وهنا نص التحقيق الذي كتبته سوزي هانسن:
“في أحد الأيام الأولى من الثورة المصرية، تحدثت سوزان، زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى صديقتها فارخوندا حسن بالهاتف. كانت المباني تحترق في القاهرة. وتقول السيدة حسن إن السيدة الأولى كانت “هادئة جدا”. ولم تعتقد سوزان أن هناك أزمة مقبلة. ولم تدرك عمق المشكلة. ومن المؤكد أنها لم تتوقع أن حكم آل مبارك على وشك أن يسقط.
وقضاء الوقت مع مؤيدة لسوزان مبارك كان الهدف منه هو الحصول على لمحة دقيقة حول ما كانت عليه سيدة مصر الأولى قبل الربيع العربي: متسلطة، ومضللة وبعيدة عن الواقع. وقد فاجأت الثورة، وفقا لأصدقائها، سوزان البالغة 70 عاما. وفي سنوات سوزان الأخيرة، كانت تنظر إلى شوارع القاهرة التي تتناثر فيها القمامة من منظار مذهب. بالنسبة إليها: كانت الجدران مصقولة والزهور مزروعة والأعشاب نامية، ويتم رشوة المصريين حتى يبتسموا. وإذا كنت جزءا من البطانة الحاكمة، فالقاهرة نظيفة والمصريون سعداء.
وتقول حسن: “لماذا يتحول الناس بهذه السرعة من التأييد إلى الانتقاد الشديد، هذا أمر غريب للغاية”. وترأس حسن واحدة من أكبر المنظمات الخيرية التي أنشأتها سوزان “المجلس القومي للمرأة”.
وربما السبب هو أن النخبة بأكملها منفصلة عن الواقع. وكثيرا ما تربط الصحافة الغربية سوزان بالتناقض إلى حد ما، وكأن مؤهلاتها النسائية ودورها في مجال النشاطات غير الربحية والخيرية تغطي على دورها في النشاطات العائلية الدكتاتورية. وفي ملف نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” ورد وصفها على أنها “صاحبة توجه ومنطلقة الكلام”.
لكن سوزان لم تكن الزوجة سهلة الانقياد وراء عملاق شرير. وقد امتد نفوذها السياسي مع تضاؤل دور زوجها وتقلصه. وقالت ناشطة نسائية: “لم تكن متحالفة مع النظام. كانت النظام نفسه”. كان حسني مبارك خلال معظم فترة حكمه قائدا باهت الشخصية- شبحا لفرعون. وخلال سنواته الخمس الأخيرة في الرئاسة، الخاصة بالعطلات في شرم الشيخ، واعتكف في فيللته الخاصة بالعطلات، منعزلا بشكل متزايد وضعيف السمع معتمدا على زوجته وابنيه. وأوصلت السيدة الأولى أو الحرمة كما يسمونها البلاد إلى الحافة.
وقال مسؤول أميركي سابق: “مع تقدم مبارك في السن كان نفوذها وسيطرتها يتعاظمان بالفعل- ولكن ليس بطريقة جيدة. أجرت الولايات المتحدة عدة نقاشات مع مبارك لتشجيعه على الانتقال لشكل ديمقراطي في الحكم. وكان واضحا أن الشخص الأكثر معارضة لهذا الانتقال ليس مبارك نفسه، وإنما سوزان”.
والآن ومع امتداد العنف في أنحاء مصر واستمرار الجيش في القمع الوحشي للمواطنين، فهناك شكوك في إمكانية تحقق التغيير الفعلي في دولة قادها مبارك بقبضة حديدية.
وبوجود زوج سوزان قيد المحاكمة التي قد يفقد نتيجة لها حياته، فإن سيدة مصر الأولى السابقة اختفت تقريبا. ويقال إنها عانت من نوبة صدمة في آيار الماضي، عقب احتجازها واستجوابها حول الثروة التي اكتسبتها. وأطلق سراحها بسرعة بعد تنازلها عن 3,4 مليون دولار وعن فيللا بالقاهرة- رغم أن البعض يقدر ثروة العائلة بمليارات الدولارات. وهي على اتصال مع أصدقاء قلائل، ولم ترد على اتصالات حاولت مجلة “نيوزويك” إجراءها معها.
ويورد المصريون تفسيرات متعددة لعقلية مبارك التي هيمنت على البلاد لثلاثة عقود: وسلطته المطلقة المفسدة، فآل مبارك اعتقدوا أن مصر ستتداعى دونهم، ولم يعرف الزوجان المدى الذي وصلت إليه الأمور من السوء. وجولة سريعة بسيارة أجرة في أحياء القاهرة الفقيرة والبنية التحتية المدمرة تشير إلى أن مصر لم يكن يحكمها احد لسنوات طويلة. فما نوع المرأة التي لم تلاحظ أنها محتقرة من جانب 80 مليونا من البشر؟
وتقول حسن: “لم نفكر أبدا أن الأمور ستتغير بهذا الشكل، كما تعلم”.
ولدت سوزان ثابت في أسرة من الطبقة الوسطى في مدينة المنيا على نهر النيل لأب مصري كان طبيبا وأم ويلزية، كانت ممرضة. وانتقلت العائلة لاحقا إلى حي هليوبوليس الراقي، وكانت سوزان ضمن فريق السباحة في نادي الحي. وذكرت مجلة من العام 1956 أن سوزان الشابة كانت تحب قصص التحري والباليه، وتنمنى أن تصبح “مضيفة طيران” عندما تكبر.
ولم تكن المراهقة التي ظهرت صورتها في المجلة تعلم أنها على وشك أن ستقابل مصيرها الحقيقي. فقد كانت من جيل تتزوج بناته في سن مبكرة، ونادرا ما يكون زواج حب. وعندما كانت في السابعة عشرة، ربطت مصيرها بعربة ضابط في الجيش في الثلاثين من عمره يدعى حسني مبارك، وسرعان ما أصبح لهما ولدان علاء وجمال. والمرأة الرشيقة دون تكلف ذات الشعر الأسود والبنية العظمية الجيدة ستتحول إلى سيدة أولى من النوع الكلاسيكي. وادعت أنها تكره هذا اللقب، قائلة إنه “لقب غربي”، لكن نظام مبارك كان قبل كل شيء انعكاسا غربياً. ونظرة إلى الصور التي التقطت لسوزان عبر عقود تجلب للذهن نانسي ريغان ولورا بوش :فالشهر مقصوص بشكل خارق مثل شجيرة ضئيلة تحيط بوجه جامد، مع تنانير واسعة وقد مستقيم ومطواع، ومشية صلبة خالية من الإثارة.
وبعد أن أصبح زوجها نائبا لرئيس الجمهورية وذهب ابناها إلى الجامعة سجلت سوزان الطموحة والفضولية في الجامعة أيضاً. وكان تخصصها في علم السياسة بالجامعة الأميركية في القاهرة، وحصلت في النهاية على ماجستير في علم الاجتماع، وكتبت أطروحة عنوانها “بحث في العمل الاجتماعي في مصر الحضرية :دراسة حالة تطوير لمدرسة في حي بولاق”.
أظهرت سوزان حماسة في الكلية، لكن الطاعة للدولة جاءت أولا. احد أساتذتها كان سعد الدين إبراهيم، وهو متخصص في علم الاجتماع. حاليا هو ناشط مؤيد للديمقراطية.
ويتذكر إبراهيم وهو جالس في إحدى ساحات الجامعة الظليلة المرة الأولى التي عرف فيها أن زوجة نائب الرئيس كانت طالبة في صفه (سجلت تحت اسمها قبل الزواج). وكان يحاضر حول الانفجار السكاني في مصر، لكنه قال إن السبب في ذلك هو الزواج المبكر. وقال إبراهيم: “انتقدت القيادة لأنها كانت تنصح المصريين العاديين بتأخير الزواج”، مع أن الرئيس حينذاك أنور السادات زوّج ابنته وعمرها 16 عاما”.
ورفعت طالبة في منتصف العمر يدها وقالت: “هذه مسألة شخصية تخص الرئيس، ويجب أن لا نناقشها هنا”. وتجادل الأستاذ والطالبة قليلا، وأصرت المرأة قائلة: “أعتقد أنك لن تجلب سيادته للمشاركة في النقاش”. ورد إبراهيم: “ليس (سيادته) ولكن السيد السادات”. وطلبت سوزان مبارك الإذن للخروج من الصف. ولكن ما أدهش إبراهيم أنها عادت في العام التالي، ودرست إحدى مواده، وقدمته بالفعل لزوجها، الذي طلب مرارا مشورته.
في حوالي تلك الفترة التقت نوال السعداوي، إحدى ابرز النساء النشيطات في مصر، بسوزان عندما تلقت السعداوي دعوة من إبرهيم لإلقاء محاضرة. “كانت سوزان بين الحضور، ولم يعجبها ما قلت من إن على المرأة أن تثور ضد سلطة الرجال عليهن. وقفت وقالت إن على المرأة أن تطيع زوجها والقيم العائلية. وتحدثت عن القيم العائلية بالضبط مثل جورج دبليو بوش”.
وقد استمرت سوزان مبارك متمسكة بوجهات نظرها بقوة بعد أن أصبح زوجها رئيساً في العام 1981. وخلال السنوات العشر الأولى من اطلاق وصف السيدة الاولى عليها، بقيت شخصا متواضعا، كما يقول الأصدقاء، تركز على التعليم والأطفال. وتبوأت أعلى المناصب في منظمات غير حكومية: الجمعية المصرية للطفل والتنمية، متحف التاريخ الطبيعي للأطفال، جمعية الهلال الأحمر المصرية، وغيرها. أما البرنامج الذي لم يسع منتقديها إلا التصفيق له، فهو القراءة للجميع، الذي نشر آلاف الكتب الشعبية الرخيصة للفقراء (وقد ظهرت صورة سوزان على كل مجموعة من هذه الكتب).
وفي التسعينات، انتقلت أولوياتها إلى مواقع أخرى. إذ عملت عن كثب مع وزير الثقافة لبناء مكتبات ومتاحف. وبدأت تركز على المرأة، إلا أن النشيطات النسويات قلن إن عملها كان إلى حد كبير يخدم الذات وغير بناء. وقالت لي آمال عبد الهادي، من مؤسسة المرأة الجديدة “انها ليست من المدافعين عن حقوق الإنسان. ولا هي من النشيطات النسويات. وكانت تقوم بهذه الأعمال كجزء من تكوين مجدها الشخصي”. فالنظام حظر الجمعيات النسوية غير الحكومية.
ومع دخول مبارك العقد الثالث في السلطة، اتسع إطار عمل سوزان لبناء المجد من المرحلة المحلية إلى العالمية (وقالت إحدى النساء ساخرة “كلنا يريد أكثر من مصر”)، وهكذا فإنها تحولت إلى الاهتمام الأعظم فقد أسست سوزان مبارك حركة السلام العالمية النسائية في العام 2003، وبادرت بإعلان حملة إنهاء الاتجار بالبشر الآن. (وقال كثير من المصريين إن هذه التجارة ليست إحدى المشاكل الأكثر إلحاحاً في مصر).
ومع ذلك فان سيرتها الذاتية تنضح بما لا يعد من التفاخر بأعمالها الإنسانية العالمية. وفي حقيقة الأمر، فان فاروق حسني، وزير الثقافة السابق واحد الأصدقاء المقربين، فكر للحظة عندما سئل عن أكثر ما تهتم به سوزان، وقال “الفوز بجائزة عالمية”. وهمس الكثير من المصريين بأنها كانت تحلم بالحصول على جائزة نوبل.
وكانت عائلة مبارك متماسكة دوماً. وقال علي الدسوقي، الذي كانت والدته صديقة عمر السيدة الأولى، إن سوزان وحسني كانا “يتعاملان مع بعضهما بطريقة جيدة “، إلا أن ذكاء الرئيس، وكان من الدرجة الثالثة، وعدم مهاراته القيادية غالبا ما كانت تجعل الدسوقي يتساءل “كيف يمكن لهما أن يتزوجا؟”، ولكن يبدو أن العائلة كانت فوق كل اعتبار آخر.
وفي بداية القرن الجديد، تحولت الرئاسة متباعدة إلى مؤسسة مختلفة تماماً. ومع كبر سن حسني مبارك وضعفه، فان ابنه جمال ومجموعة من الأصدقاء رجال الأعمال بدأوا في استيعاب السيطرة على البلاد. وما كان نظاماً عسكرياً يرأسه عسكري قوي الشكيمة، تحول إلى حكم الأقلية العائلية.
وقال طارق عثمان، مؤلف كتاب “مصر على حافة الهاوية”: “ليست مشكلة لمصر أن يكون على رأسها رجل قوي، خاصة عندما يكون من صفوف الجيش. ولكن ما كان شيئاً جديداً للغاية فيها فهو حكم العائلة”.
بدأت عملية الارتقاء بدايةً فجة. ففي العام 2000 ظهر إبرهيم، أستاذ سوزان مبارك، في برنامج تلفزيوني وتحدث عن وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، موحيا بان ابنه بشار سيخلفه في أكثر الاحتمالات. وقال احد الحضور إن مثل هذا الأمر يمكن أن يحدث في مصر، وقد وافقه إبراهيم على ذلك. وفي اليوم التالي نشرت مجلة عربية أقوال إبراهيم كجزء من القصة الرئيسية. وقال إبراهيم: “وصلت أعداد من تلك المجلة الى السوق المصرية يوم الجمعة. وفي منتصف النهار كانت كل النسخ قد صودرت. وعند منتصف الليل القي القبض علي”.
“قالت سوزان لأصدقاء مشتركين إن زوجها جاء إليها ومعه المجلة وقال: انظري، في المرة القادمة سيدخل غرفة النوم وينام في سريرنا. وعليك أن تختاري بين صديقك وابنك”.
أمضى إبراهيم ثلاث سنوات تحت التعذيب في السجن. وبدا أن الأم والابن كانت لديهما خطط تتعلق بالمستقبل أيضاً. ولكن الثورة المصرية ولدت من رحم آلاف الأعمال الظالمة، كما أن التهديد بالخلافة ساعد على إطلاق الشعلة الأخيرة. وهناك قناعة على نطاق واسع بان سوزان كانت في القلب من هذه الخطط، ويمكن أن تخضع للمناقشة مسألة ما إذا كان حسني دوما يدعم الفكرة. لكنه على وجه التأكيد لم يكن كذلك في إحدى المناسبات.
وقال فاروق حسني: “لم اسمع منه قط انه كان يريد ذلك. صحبت الرئيس في الطائرة قبل أربع أو خمس سنوات وقد قال لست أحمق إلى حد أن ادفع ابني بيدي إلى الهلاك”.
ومن المحتمل أن أفراد عائلة مبارك – الذي حصروا أنفسهم في القصور، رافضين السماح لصحف المعارضة بالدخول الى منازلهم – لم يدركوا التحول في مصر. فقد بدأت مصر تصحو، وتستفسر ليس فقط عن الأنظمة العسكرية وإنما عن النخبة الجديدة الفاسدة. وقد تكاثر السكان. وانتشر استخدام الانترنيت. وبدأ الشبان في التعرف بنظرة مختلفة على علاقتهم بحكامهم.
لكن سوزان واصلت في حث العائلة على البقاء في السلطة. وقد صورها بعض المعارف عل أنها شكسبيرية الطبع – متحايلة، متلاعبة ومندفعة في حماسها، تؤنب زوجها حتى لا يكون ضعيفا. وقال الكثيرون ان الرئيس كان مريضا لدرجة انه لا يستطيع الحكم، يمضي مزيدا من الأوقات بعيدا عن العاصمة. وفي العام 2009 توفي الحفيد محمد في ظروف مرض غامضة. فكانت الكارثة سبباً في تمزق العائلة، وأكثرهم حسني. ومع ذلك فان سوزان كان ترى أن على العائلة أن تواصل المسيرة، وحماية مصر من الإخوان المسلمين والإبقاء على شبكة المصالح المالية لعائلة مبارك. وعلى مستوى اقل، ربما ان سوزان لمن تتصور عالما لا يحكم فيه احد رجال عائلة مبارك: فالبديل كان شيئا لا يمكن مجرد التفكير فيه، انه نهاية العالم شخصيا.
ويرى علي الدسوقي أن خيالات سوزان نمت مع النظام. فوالدة الدسوقي كانت صديقة سوزان منذ أن كانتا في المدرسة، وقد عرف الدسوقي أفراد عائلة مبارك جيداً. وهو في الخامسة والأربعين من العمر ويعمل في التخفيف من حدة الفقر، ولكنه يضع حدا فاصلا بين مشاعره نحو المرأة وبين مشاعره نحو نظامها. وقد وجد انها كإنسانة “جادة، مثقفة وعملية إلى حد ما”. وقال: “اعتقد صادقا انه كانت لديها نوايا طيبة. فقد كانت تريد الارتقاء بنظام التعليم ومحاربة الفقر”. وأكد أنها لم تكن سعيدة “انها حياة رهيبة – هذا ما اعتادت على قوله”.
أما بالنسبة إلى النظام، فقد أعرب عن استيائه منه وقال: “الحقيقة إنني ألوم تراثاً ونظاما لتنصيب أشخاص من دون إعداد في مناصب عليا. وألوم الناس، لأنهم أناس عاديون جدا وجدوا أنفسهم في موقع الآمر الناهي. وليس هناك إلا وسائل محددة يمكن استخدامها لمقاومة ذلك، وقد اصبحوا بعد ثلاثين عاما منعزلين، ما يدفع المرء إلى أن يصاب بالجنون. هل يتذكر احد متى كانت أخر مرة قاد فيها سيارة؟ وآخر مرة شاهد فيها النقود؟ ولكن عندما تسمح للمقربين منك أن يتحولوا إلى أنذال – فان ذلك ينعكس عليك”.
وقد وجد المحققون حسابات مثيرةً للشكوك في عدد من مصالح سوزان غير الربحية والثقافية- واتهمها صحافي بالتحكم في حساب قيمته 145 مليون دولار مرتبط بمكتبة الإسكندرية – ولكن الدسوقي يقلل من أهمية الفكرة. وهو يقول: “هذه مجرد إدارة سيئة وتوجيه سيء لمنظمات غير حكومية وكل شيء آخر. تحدَث الي عن الغاز. حدثني عن شركات أمن الدولة. حدثني عن المنتجات الاستراتيجية، والمنتجات الحاصلة على إعانة. تلك هي (المجالات) التي توجد فيها الأموال، ويوجد فيها الفساد”.
الأمر الغريب هو أن سوزان هي الوحيدة من أسرة مبارك غير الموجودة في السجن أو الخاضعة لمحاكمة. ومنذ فترتها الوجيزة في الاحتجاز في الربيع الماضي، واصلت هيئة الكسب غير المشروع ملاحقتها. وقد جمد السويسريون حسابات مصرفية قيمتها 340 مليون دولار لافراد عائلة مبارك، وتتوقع السلطات المصرية اكتشاف مزيد من الأموال المخبأة. (قال محاميهم فريد الديب لمجلة “فورين بوليسي” إن هذه اأموال اكتسبت خارج مصر، من خلال أعمال للابنين في الخارج). وتتفاوت تقديرات ثروة افراد عائلة مبارك ما بين 2 مليار دولار و 70 ملياراً.
ومن الممكن أن الحساسية الثقافية تجاه سوزان باعتبارها امرأةً اكبر سناً قد تبقيها خارج السجن في الوقت الحاضر، ولكن المزاعم عن جرائمها وتواطئها كثيرة. وتتعلق إحدى الإشاعات بوزير الآثار والسياحة السابق زاهي حواس. ويدعي كثيرون انه سرق من كنوز الآثار ليغمر سوزان بالهدايا (وهو ما ينفيه حواس بشدة).
وتعيش سوزان مبارك اليوم في فيللا خارج القاهرة وتقضي أيامها في زيارة زوجها بينما هو ينتظر محاكمته. وأما جمال وعلاء فموجودان في السجن – في نفس الزنزانة التي كان فيها في وقت من الأوقات سعد الدين إبراهيم، كما يقول. وتسدد الدولة المصرية تكاليف علاج حسني مبارك، وفقاً لمحاميه، وتعيش سوزان على مرتب تقاعد زوجها البالغ ما يعادل 500و15 دولار اميركي شهرياً. ويبلغ معدل الدخل الشهري لموظف مصري نحو 100 دولار شهرياً.
وقد بدأت مصر التي تتركها سوزان وراءها تنتقل إلى مرحلة ما بعد مبارك مع إجراء انتخابات في الخريف الماضي. ولكن تركة مبارك ما زال من الممكن رؤيتها كل يوم – فهناك الإحباط والغضب المستمران منذ عقود يفيضان إلى الشوارع، وهناك الجنود يضربون النساء ويعتدون عليهن جنسياً، وهناك صعود الاسلاميين، وعدم الشعور باليقين، والفقر والمعاناة. وقد أدت سوزان مبارك دورها بإقرارها جحيم المصريين، وربما إطالة أمده.
ومع ذلك، فان اغرب شيء عند الوصول إلى القاهرة ومحاولة تكوين فكرة عن سوزان مبارك هو ان المصريين لا يعرفون اي شيء خاص عنها. افراد اسرة مبارك لم يكونوا شخصيات مميزة. لم يتصفوا بأي شيء خاص وليس هناك ما يمكن تذكره عنهم سوى النزر اليسير. وقال لي رجل مصري: “حقيقة الأمر هي أنهم كانوا أناساً عاديين”. وأضاف، مع ذلك، انه لو رآها ماشيةً في الشارع فـ”سأصفعها على وجهها”.
المصدر : جريدة نورت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق