الخميس، 19 أبريل 2012

إنابة زملاء العمل في التوقيع بكشوف الحضور والانصراف‏...‏ جريمة أخلاقية


إنابة زملاء العمل في التوقيع بكشوف الحضور والانصراف‏...‏ جريمة أخلاقية أدرس في مكان يشترط فيه الحضور‏,‏ وأنا لدي ظروف تمنعني من الحضور بانتظام‏,‏ وهي ظروف الحمل‏,‏ وعرضت علي زميلة أن تقوم بتسجيل اسمي في أسماء الحاضرين‏;‏ علي غير الحقيقة‏;‏ فهل قبولي لهذا الاقتراح وهذا العرض الكريم من تلك الزميلة‏,‏ حرام؟
أجاب علي تلك الفتوي الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية قائلا:
نعم, هو حرام, لأن المسلمين عند شروطهم, والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور; إذن فالكذب عن طريق الكتابة, عن طريق التدليس, الغش, حرام, وهذا هو الذي جعلنا نقول( هذا الحديث هو الذي جعلنا نقول): إن الغش في الامتحانات حرام, لماذا؟ لأن الإنسان قد تشبع بما لم يعط; يعني استعان بشيء أظهره بأنه يستحق من الدرجات80 و90, وهو لا يستحق من الدرجات سوي30 أو40, إذن هو تشبع; يعني أخذ شيئا لم يقدره الله له; لأنه لو قدره الله له; كان أقامه في المعرفة, وأقامه في الاستحضار, وأقامه في الأداء; بحيث إنه يستحق80 درجة من100 أو90 أو100 من100; ولكن الله سبحانه وتعالي لم يقمه في هذا; ولذلك فهو متشبع بما لم يعط; فهو نوع من أنواع الغش.
كوني أحضر نفسي في مكان, وأنا لم أحضر; فهذا نوع من أنواع الكذب; حتي لو كان لم يتم عن طريق النطق والكلام والألفاظ; بل تم عن طريق التسجيل والإجابة.
عندما اشترط ذلك المعهد العلمي, أو الكلية, أو المكان الذي فيه تعليم أو تدريب أو تربية, الحضور, اشترطه لأن العملية التعليمية لا تتم إلا بهذا الحضور; لأن الإتقان المطلوب الذي سوف أشهد لك بعده بشهادة أنك قد اجتزت هذا الامتحان, لا يكفي فيه التحريري ولا الشفوي; إنما لا بد فيه من التلقي; لأن التلقي هنا هو جزء من أجزاء هذه الشهادة; ولذلك فإذا كذبت وأثبت في الأوراق ما يخالف الواقع; فهذا يعد حراما, والنبي صلي الله عليه وسلم يقول:' من غشنا فليس منا', وهو يعظم جدا الغش.
سياق هذا الحديث أنه صلي الله عليه وسلم, مر في السوق علي رجل يبيع قمحا, والرجل يريد أن يجمل المعروض; فوضع القمح الذي أصابه شيء من بلل المطر- أو بلل الماء أو أي طريقة- في الأسفل, ووضع القمح الجاف, وهو الأجود, وهو الذي يمكن أن يخزن- لكن القمح المبلول لا يمكن أن يخزن- وهو الذي لا يصيبه العطب, ولا تصيبه الرائحة السيئة; ولكن القمح المبلول يمكن أن يكون كذلك; يصيبه العطب, وتصيبه الرائحة السيئة فوق. فالنبي صلي الله عليه وسلم وضع يده فوجد البلل تحت; فقال:' من غشنا فليس منا'.
الرجل لم يكذب, ولم يفعل شيئا; لكن النبي يريد الشفافية, يريد أن تضع هذا وحده وهذا وحده, وهذا له سعر وهذا له سعر. من أراد أن يشتري فليشتري بسعر السوق, ومن لم يرد فله الحق في هذا, إذن فهذا التصرف وأمثاله من التصرفات المتعلقة بطلب العلم; كالغش في الامتحانات ونحوها, والتزوير في الدرجات.. إلخ, حرام شرعا.
تقدم لخطبتي شاب يتمتع بأخلاق حسنة, وتسمح ظروفه المادية بإتمام الزواج, وتمت قراءة الفاتحة, وإعلان الخطبة ولا أجد ميلا قلبيا نحوه, وأخشي مصارحة أهلي بذلك, وطلبت منه أن يرفضني, هل يجوز ذلك, علما بأن اهلي رفضوا في البداية ارتباطي به ؟
لا ننصحك أيتها الفتاة أن تفعلي شيئا وراء أهلك, فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول: الإثم ما حاك في القلب وخفت أن يطلع عليه الناس, وهناك شيئ غريب في هذه المسألة جعلك تخفين علي أهلك, النبي صلي الله عليه وسلم علمنا كثيرا من الشفافية والوضوح, وحثنا علي هذه الشفافية وعلي هذا الوضوح, كثير من الناس لا يلقون إلي هذا المعني بالا.. النبي صلي الله عليه وسلم لما جيء إليه بـابن سرح ومعه عثمان بن عفان, وابن سرح كان يشتم النبي ويشتم المسلمين ويهجو نساء المسلمين, والنبي صلي الله عليه وسلم قال: اقتلوه ولو كان معلقا بأستار الكعبة, لكم الأذية التي آذاها ابن سرح للمسلمين, فلما جاء مع عثمان وفي جوار عثمان يسلم ويتوب, سكت النبي مرة والثانية والثالثة.. ثم قبله, وبعدما انصرف قال: أليس فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله, فقالوا: يا رسول الله, كنت تشير بعينك أو تومئ برأسك فو الله لرأيته مقتولا بين يديك, قال: ما كان لنبي أن تكون له خائنة عين.
فالنبي لم يستطع من شفافيته ووضوحه وقلبه الذي يدعونا الله سبحانه وتعالي أن نكون مثله:' لقد كان لكم في رسول اللـه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللـه واليوم الآخر', الأحزاب:21], قال تعالي:' قل إن كنتم تحبون اللـه فاتبعوني يحببكم اللـه', آل عمران:31] قال تعالي:' وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا', البقرة:143]; فهو المثال الأتم وهو الإنسان الكامل, علمنا أن نكون في وضوح وفي النور, ولا نفعل ما نخفيه علي أهلنا وعلي جيراننا.. إلخ.
فيجب عليك أيتها الفتاة أن تصارحي أهلك, وأن تتحملي, وأن تقدمي هذا العرض بوضوح, وكل ذلك يتأتي عندما نحسن العلاقة مع الله سبحانه وتعالي, عندما نناجي ربنا, عندما ندعو الله سبحانه وتعالي أن ربنا يسترها معنا, وربنا يجعل كلامنا خفيفا علي الناس, وأنه يجعلنا مقبولين عند الناس وعند أهلينا, إذن فيجب علينا أن نري هذا الجانب الأخلاقي في الكلام. ليس الأمر بقضية حلال أو حرام وكذب وكذا إلي آخره; الأمر هو هذه النفسية( نفسية اللف والدوران والخداع والتخبية); إنما هي نفسية نقومها ونبني غيرها; فنرجو الله سبحانه وتعالي أن ينفعنا بما علمنا.
المصدر : الأهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق