الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء تاريخ طويل من الأداء المشرف في مصر والعالم, بالتأكيد لن يتسع المجال لسرد سيرته الذاتية كأحد علماء العصر المشهود لهم في العلوم الاقتصادية, والقانون العام.
كما لن يتسع المجال للحديث عن الجوائز والأوسمة التي حصل عليها, سواء من مصر أو خارجها, بدءا من جامعة باريس, والحكومة الفرنسية, والحكومة البلجيكية, والكويت, ولبنان, وأستاذيته بجامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس, والجامعة الأمريكية, والسوربون, وكاليفورنيا, وخبراته بالأمم المتحدة و الأسكوا وصندوق النقد العربي, والبنك المصري لتنمية الصادرات, وغيره من البنوك العربية.
ثم تأتي مؤلفاته كرصيد آخر في التنمية الزراعية والتجارية الدولية, والاقتصاد السياسي, والاقتصاد الدولي المعاصر, والاقتصاد العربي في عصر العولمة, والديمقراطية الليبرالية, ودور الدولة في الاقتصاد والتعاون الاقتصادي العربي, وغيرها.
ذهبت للقاء الدكتور الببلاوي في منزله وعلي مدي نحو ساعة ونصف الساعة دار حوار شامل حول الهموم المصرية, الاقتصادية, والسياسية, والأمنية, والاجتماعية, وعن الماضي, والحاضر, والمستقبل.
لم يتردد الرجل في الإجابة علي أي سؤال بأسلوب الواثق, وحكمة الخبير, فهو لا يحمل ضغينة لشخص أو فصيل, ويشخص الفترة السابقة من حكم الإخوان كمواطن ومراقب ومسئول, ولم لا, وهو الذي اختير وزيرا في حكومة الدكتور عصام شرف بعد ثورة25 يناير, وهو في الوقت نفسه يضع محددات وملامح المرحلة المقبلة ببصيرة واعية وشفافة, ولم لا, وهو رئيس وزراء هذه المرحلة الانتقالية.
إلا أن ما يمكن تأكيده, هو أن التركة ثقيلة, والإرث عظيم, والهموم أعظم, وهو ما بدا واضحا في الإجابات التي تدلل علي أن الرجل قد قبل بحمل ذلك العبء وهو يعلم أبعاده وتبعاته.
وإلي نص الحوار:
يري البعض أن قبول تحمل المسئولية في مثل هذا الوقت في مصر نوع من المجازفة.. فكيف قبلتم تحمل المسئولية في هذه المرحلة الدقيقة؟
عندما عرضت علي رئاسة الوزارة اعتذرت في البداية, فأنا معروف بأنني اقتصادي, والمشكلة من الدرجة الأولي أمنية, فقلت ليتكم تختارون شخصا قادرا علي علاج المشكلة الأمنية, وأكدت أنه لا مانع عندي من أن أكون ضمن القطاع الاقتصادي.
وقد ظهر أن المسألة ليست سهلة, وأصبح ضروريا أن تعبر الدولة هذه الفترة, ولابد من أن يتحمل أحد المسئولية, ولذلك قبلت.
أعلم أن المسألة صعبة جدا, وأنها تتطلب وجود حكومة تتمتع بأكبر قدر من المصداقية, لأن هذه الفترة تتطلب قرارات صعبة, ولا تتحمل أن تأتي حكومات محل جدل كبير.
ولذلك أصررت علي أن يكون كل العاملين معي من الكفاءات, بغض النظر عن التوجهات السياسية, وأنه لابد من اجتماع معياري الكفاءة والمصداقية في المسئول.
ليس شرطا أن أي حكومة تعجب كل الناس, وإنما هناك محاولة لأن تتمتع بتعدد في الاتجاهات حتي لا تأخذ اتجاها واحدا, وتتسم بالتنوع والحرص علي أن يكون عدد النساء بها معقولا.
حرصنا علي تحقيق أكبر قدر من التوازن دون النظر إلي الانتماءات السياسية, وليس معني ذلك أن الموجودين بلا توجهات, وإنما هم ليسوا أصحاب دور سياسي.
إلي أي مدي ترون أنكم وفقتم في هذا الاختيار, خصوصا أن التشكيل الوزاري كان حتي اللحظات الأخيرة يخلو من وزيري العدل والنقل؟
كانت هناك رغبة في أن يتم حلف اليمين بسرعة, لإعطاء إحساس بأن الأمور تستقر, وأن المؤسسات تستكمل, ولم تكن هناك مشكلة.
هناك سؤال يطرح نفسه, أو بالأحري يطرحه البعض في هذا التوقيت.. إنهم يتحدثون عن تنازل رئيس الجمهورية عن بعض الاختصاصات للحكومة.. فهل هذا أمر طبيعي؟ أم أنه توريط للحكومة كما يصفه البعض؟
الحقيقة أن الذي تناولته بعض الصحف في هذا المجال انتزع من الإطار العام.. انتزع علي أن رئيس الجمهورية يفوض الببلاوي في قانون الطوارئ, وهذا في الحقيقة إجراء روتيني.
أغلب القوانين المصرية تم وضعه في بداية الخمسينيات, حيث لم يكن هناك رئيس للوزراء, وكان رئيس الجمهورية تقريبا هو رئيس الوزارة وسلطانه كبيرا, وكانت الاختصاصات كلها في يد رئيس الجمهورية.
وشيئا فشيئا بدأ يستقر لدي الناس أن هناك رئيس وزارة له اختصاصات, ولكن البلد كان يعطي رئيس الجمهورية كل الاختصاصات.
وجرت العادة منذ عشرات السنين أن أول عمل يعمله رئيس الجمهورية أن يفوض رئيس الوزارة في كثير من اختصاصاته.
وأنا كرئيس وزارة وقعت في بداية عملي أكثر من عشرين تفويضا, لأن كثيرا من الوزارات لها اختصاصات, ورئيس الوزراء لابد أن يعتمد قرارات الوزير مع أنها في صميم إدارته, فوقعت التفويضات, ورئيس الجمهورية عنده اختصاصات واسعة, وكثير منها روتيني, وطبيعي أن يفوض فيها رئيس الوزراء.
القرارات التي نشر أنها تفويض في قانون الطوارئ كانت تتضمن تفويضات في24 مجالا.. مجال التصرف في أموال الدولة بغير مقابل.. مجال قانون المعاشات.. قانون الوظائف العامة.. مجال نقل بند من بنود الميزانية العامة.. التأشير علي تعديلات الميزانية.. عشرات التفويضات, واحد منها تفويضي في الاختصاصات الواردة في قانون الطوارئ, علما بأن في هذا القانون نصا يقضي بأن إعلان الطوارئ اختصاص لرئيس الجمهورية لا يملك فيه التفويض.
وإعلان حالة الطوارئ عليه ضمانات وقيود, وله مدد, ولابد من موافقة السلطات التشريعية, ولكنه اختصاص أصيل لرئيس الجمهورية.
لقد اختلط عند الناس قانون الطوارئ وحالة الطوارئ.. قانون الطوارئ موجود ويستخدم عند إعلان حالة الطوارئ.. هناك بلاد عندها قوانين تسري في حالة الحرب.. موجودة فوق الرف.. في داخل الثلاجة.. تستحضر عندما تستدعي الحاجة ذلك, وهذا ما أدي إلي نوع من الخلط.. كأن شيئا غريبا قد حدث مع أن هذا العمل عادي وروتيني.
من المطروح بقوة الآن أيضا أنك سبق أن استقلت وأنت نائب لرئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف, وقلت إن الضمير لم يسمح بتحمل مسئولية قتل28 شخصا في أحداث ماسبيرو وقتها.. فما الموقف في الأحداث الحالية؟ وماذا لو سقط قتلي خلال أي أحداث في الفترة المقبلة؟
الحقيقة أن الأمرين مختلفان.. في حالة ماسبيرو تم ما حدث بدون معرفة وزير الداخلية, وبدون معرفة رئيس الوزارة.
وأنا قلت يومها إننا مسئولون عن توفير الأمن للناس, فإذا لم يتوافر فعلينا أن نعلن للناس أن الأمن اختل بدون خطأ من ناحيتنا, فنقدم استقالاتنا, فإذا أصروا علي بقائنا نبقي.
وانطلاقا من إحساسنا بالمسئولية وشعورنا تجاه الناس نقول لهم نحن متأسفون, والسبب الأساسي أن هذا الذي تم حدث بدون علم وزير الداخلية في ذلك الوقت, ودون علم رئيس الوزراء.
وعندما قدمت استقالتي حينئذ حاول المشير ورئيس الأركان في ذلك الوقت الضغط علي لأسحبها, فرفضت, وقلت لهم أنا رجل دارس قانون, وأعرف أن الوظيفة لا تنتهي بتقديم الاستقالة, وإنما تنتهي بقبول الاستقالة, ومن حق الجهة الإدارية ألا تقبلها, فقالوا رفضناها, فقلت مادام الأمر كذلك نبقي, فأنا رجل منضبط وعبرت عن أسفي للشعب, وأن ما حدث تم بخطأ وقع علي الدولة وعلي الحكومة في ذلك الوقت.
وقد أصر المجلس العسكري ــ الذي كان يتمتع بالسيادة في ذلك الوقت ـ علي بقائي فبقيت, وكنت وزير مالية في ظروف اقتصادية صعبة.. وكالات الأنباء قالت وزير المالية يستقيل لأن الأوضاع المالية سيئة وميئوس منها.. وأنا قلت إن الاستقالة كانت بسبب أوضاع سياسية, وليس لأن الأمور المالية فيها صعوبة.
في ذلك الوقت كانت هناك صعوبة فعلا في المالية.. أليس كذلك؟
لم تكن هناك صعوبة لدرجة أن وزير المالية يستقيل, ويزيل الثقة في البلد وفي مستقبلها.. عندما قبلت المنصب في ذلك الوقت كنت أعرف حجم الصعوبة, ولم يكن مقبولا أن أستقيل, لأن الوضع صعب, أو لأنه ازداد صعوبة, وأصبح خطرا, فأنا بهذا أقدم عكس المطلوب مني.
كان متوقعا في بداية عمل الحكومة أن تلعب دورا كبيرا في المصالحة.. وعندما جاء قرار تفويض الداخلية لفض الاعتصام بهذه الطريقة توارت خلفه هذه النظرة التي كنا نتوقعها.. فكيف ترون ذلك؟
المصالحة ليست حدثا إن لم تفعله اليوم لن تفعله أبدا.. المصالحة معناها أن تقول إن المستقبل للجميع, وأن تطمئن الناس علي حياتهم, ووظائفهم ونشاطهم, وأنه لن يضار أحد لمجرد أنه كان له اتجاه أو آخر.
المصالحة معناها أن تؤكد أن القانون سيطبق علي الجميع, وأن تقول أنا مستعد للتعامل مع الجميع.
وعندما اخترت الوزراء قلت: المعيار عندي هو الكفاءة والمصداقية.. اخترت أناسا عملوا في وزارات مع الرئيس السابق مرسي لأنهم أصحاب كفاءة ويتمتعون بمصداقية, ولا ينبغي أن نحاسبهم علي أنهم اشتغلوا في حكومة لها توجه سياسي لم يعد قائما.
والمصالحة ليس لها موعد يفتح ويقفل.. والمصالحة اتجاه.. والاتجاه الأساسي أنه لن يعزل فريق فالكل صاحب بلد بالدرجة نفسها.. والقانون سيطبق علي الجميع.. ولابد أن ندرك أن مصر بها تيارات متعددة, وهذا ينبغي الاعتراف به, لأن عدم الاعتراف به إضرار بمصلحة البلد, فكلما كان في البلد حيوية يشعر المواطنون بأنهم منتمون لاتجاه يخدم البلد.
وفي المصالحة ينبغي النظر للمستقبل لأعرف أي نوع من المصالحة أريد.. فالمستقبل نبنيه جميعا, وتشارك فيه قوانين لا تعزل أناسا وتعاقب أناسا.
أما موضوع الداخلية فقد ذكرت لك أنني عندما عرضت علي الوزارة قلت لهم لا وجود لسياسة اقتصادية إذا كان الأمن مختلا, والناس خائفين.. الناس يريدون أمرين: أن تحترم حقوقهم ولا تتعدي عليهم وأن تحترم حرياتهم.. ففي استخدامك لحرياتك لا تقلق الآخرين, ولا تخيفهم, ولا تروعهم, ولا تهدد ممتلكاتهم.
الحقيقة الموجودة علي الأرض أن هناك أناسا غير مطمئنين علي حياتهم, ويتعرضون لقطع الطرق.. وأن هناك أناس كثيرين معهم سلاح.
والدولة في سبيل حماية الحقوق والحريات لابد أن تكون حاسمة في عودة الأمن والاستقرار والشعور بالأمان لدي الناس.. هناك أصحاب محال غير قادرين علي فتح محالهم, أو خائفون من فتحها.. فهل هذا استقرار؟.
فلا تقل لي أنت تتدخل في إجراءات داخلية أو إجراءات أمن, فهذا من صميم الوضع أو الإطار الاقتصادي.. لا توجد دولة تقبل ألا تعرف ما يحصل فيها.. أناس يمنعون من الدخول في أماكن معينة.. وهناك أماكن معروف أن فيها أسلحة ليست للدفاع, وإنما يقال إن بعضها أسلحة ثقيلة.. مدافع آلية, وآر بي جي.
هل هي موجودة في مواقع الاعتصام أم في أماكن أخري, وأين هي؟
ليس ضروريا أن تكون موجودة في موقع الاعتصام في رابعة.. ربما تكون موجودة في النهضة, وهذا أمر لا يمكن أن تقبله أي دولة فعندما تقرر الدولة أن تواجه ذلك, فلا يجوز القول إنه خروج علي المصالحة, فمن أجل المصالحة لابد أن يطمئن الناس.
هناك من يتحدث عن المزيد من الاعتقالات التي تحدث ويربطها بالطوارئ.. فكيف ترون ذلك؟
هناك بلاغات تحقق فيها النيابة العامة, فإذا رأت أن هناك من الدلائل ما يؤكد صحتها, وأن هناك خطرا.. تأمر بالحبس الاحتياطي, وهذا ليس اعتقالا.. الاعتقال يتم بدون أمر قضائي, أو أمر من النيابة العامة بناء علي شبهات, فإذا كنت جاري وتهددني في بيتي, وأنا قدمت بلاغا للنيابة فمن الممكن أن تقول إن البلاغ كيدي ولا تسأل فيه أو تقول لا توجد دلائل علي أنه صحيح, أو تراه صحيحا.
فما يتم بناء علي قرارات من سلطات الاتهام سواء النيابة أو قاضي التحقيق أو المحكمة لا يعتبر اعتقالا, وأنا شخصيا أرفض أن تتم اعتقالات بالمعني الذي ذكرته لك.
كيف كان موقفكم أو رد فعلكم من الحكم بحبس رئيس الوزراء السابق لعدم تنفيذ حكم قضائي؟
الحكم أصدره قاض ولا يجوز أن أتدخل في هذا الأمر كحكومة, وهناك وسائل للطعن علي الحكم إذا أنا تدخلت فهذا خطر علي استقلال القضاء, ولو تدخلت أرتكب جرما أكبر لأني أعطيت لنفسي الحق في أن أحكم هل القاضي كان علي حق أم علي غير حق, وهكذا يضيع استقلال القضاء, والناس لن يطمئنوا.
قضية الدكتور هشام قنديل قضية ليس لها شأن بالدولة, وهي قضية قانونية قضائية صدر فيها حكم كما يحدث مع آلاف الناس.
ما رؤية رئيس مجلس الوزراء للخروج من الحالة الراهنة الأمنية والسياسية وما رؤيتكم لتحقيق المصالحة؟
إذا كانت هناك دولة تريد أن تحمي الحريات فأول حرية يتمتع بها المواطن أن يشعر بالأمان في بيته.. في الطريق.. لا يكون معرضا لإصابات في ممتلكاته, ويشعر أيضا أن الدولة التي تحميه قادرة علي الحماية.
فالدولة لابد أن تحمي الشرطة وكل مؤسساتها, وإذا كان المواطن يشعر بأن المنوط بهم حماية الناس غير قادرين علي حماية أنفسهم فكيف يطمئن.. هناك مواجهات مع الأمن خطيرة لا توجد دولة تقبلها, وليس معني ذلك أن تجور علي الناس أو تعتقل المسالمين, فإذا وجدت أي اعتصام له قواعد.. أو أي مظاهرة لها ضوابط فلا بأس, وإنما إذا خرجت عن هذه الضوابط مثلا وبدأت تقطع الطريق, أو ترمي زيتا في الطرق لتعطيل السيارات, وتذهب لمحطات السكك الحديدية وتمنع قطارات فهذا ليس حق التظاهر, وإنما تهديد لحركة المرور وأمن الناس, كما يهدد الحياة الاقتصادية.
فلابد أن تكون الدولة حاسمة في هذا الأمر, وينبغي أن تعطي الناس مجالا للانسحاب.. وإذا لم تنجح الدولة في إظهار هيبتها وإعادة الأمن إلي الطريق العام وإشعار الناس بأن حياتهم وطرقهم غير معرضة للخطر فستكون مهددة بالسقوط, وإذا سقطت الدولة ضاعت حريات الأفراد.
والخروج من الحالة الراهنة يتطلب تعاونا من الجميع.. والمؤسف أن بعض المناقشات أصبح غير مجد.. يقولون إعادة النظر.. العودة للوراء.. هذا إضاعة للوقت, والأولي أن نتكلم عن المجتمع الجديد الذي يبني.. هل لنا مكان فيه أم لا.. أتمتع فيه بحقوقي كاملة أم لا.. ما نوع القوانين التي ستصدر حتي يتمتع الجميع بحقوق متساوية.
هناك خطوات اتخذت, ونزلت جموع غفيرة من الناس بشكل لا تستطيع أن تتجاهله.. ينبغي أن نتكلم في التصالح للمستقبل, أما الحديث عن الماضي فأؤكد أنه لن يضار أحد بسبب جرم لم يرتكبه, ولن يحرم أحد من فرصة في المستقبل لمجرد انتمائه لفصيل دون آخر.
لابد أن تتاح للجميع المشاركة في الحياة السياسية الجديدة, والعمل علي إعادة الأمن والاستقرار في الشارع ليس مناقضا للمصالحة, فأنا أعتبره شرطا للمصالحة.
باعتباركم شخصيا لست محسوبا علي تيارات معينة وكنت في حكومة الدكتور عصام شرف وعلي علاقة طيبة مع كل الفصائل.. هل يمكن أن تقوم بدور من هذا القبيل؟
: أنا كحكومة وكشخص أري أن صعوبة المصالحة ترجع إلي حالة تربص وعدم ثقة, فالمشكلة مشكلة انعدام ثقة بالدرجة الأولي, وأنا من المؤمنين إيمانا عميقا بحقوق الإنسان, وبحرية الإنسان في الحياة, حريتي في تربية أولادي, حريتي في العقيدة وفي كيفية ممارستها, مع احترام الآخرين, فالحرية مشروطة بعدم إيذاء الآخرين.
ولو أنني سمعت مقترحات بناءة من أي حزب فسأدافع عنها كشخص, وإنما لو هناك مقترحات تشعر فيها بمناورات لكسب الوقت فهي مرفوضة.
المصالحة الحقيقية هي رهان علي مستقبل نبنيه كلنا معا بما يحقق قواعد, الحرية والعدالة.. وإذا كنت مختلفا معي, ولديك تصور لنظام يحقق مزيدا من الحرية أو مزيدا من العدالة في المستقبل فأنا أول واحد يقبله.
بالنسبة للمقترحات التي تطلبها.. هناك قطاع عريض في الشارع يري أهمية المصالحة بداية من25 يناير.. أي منذ تخلي الرئيس الأسبق مبارك عن السلطة وحتي الآن.. ما رأيكم؟
هذا معناه أن المصالحة إذا لم تنجح في بلورة قضايا واضحة يمكن الالتفاف حولها.. وهل المصالحة مثلا تعني ألا نحاكم من تلوثت أياديهم بالسرقات أو القتل في النظام السابق علي25 يناير.. فهذه ليست مصالحة.
وما رأيك في قضايا المال, وما رأيك فيمن ضيع علي البلد مليارات من الجنيهات.. هل أتصالح فيها؟ هل هذا الشعب الذي لايجد قوته ويعرف من سرق أموال البلد سيقول: عفا الله عما سلف؟ هل الناس تقبل هذا؟!
والمصالحة لابد أن تنتهي بأن يكون الكل مستريحا, لوكنت تريد أن تريح الشعب, ولو أنت تنازلت وبينت ما عندك من المروءة وقلت والله كلنا خطاؤون وسأصلح خطئي, وأريد أن أبني علي أرض نظيفة ونبني مستقبلا شريفا.. أهلا وسهلا.
إلي أي مدي يمكن الحديث عن تدخل الجيش في العملية السياسية؟ وما طبيعة العلاقة بين الجيش والحكومة؟!
أنا شكلت الوزارة بدعوة من رئيس الجمهورية, وقضيت فترة لأشكل الوزارة, لم أر ولم أسمع شيئا من الفريق أول السيسي إلا يوم حلف اليمين, لم يتصل بي ولم أجر اتصالا مع أحد, في اجتماعات مجلس الوزراء يشارك الفريق أول السيسي مثله مثل أي وزير, وأكاد أقول إنه أقل الناس كلاما.
ما أهم العقبات التي تقف عائقا أمام الحكومة في تحقيق أهدافها.
هناك عقبات هيكلية ستأخذ وقتا, وهناك عقبات لابد أن تزال, أهم شيء عودة الأمن, بدون عودة الأمن يصعب أن تعمل أي شيء, ولابد أيضا من عودة الأمن, وعودة الشعور بالأمن والأمان والاستقرار.
العقبة الثانية أن لديك بيروقراطية قديمة وعتيقة ومعقدة, ولا تستطيع أن تعمل بها, لأنها متغلغلة.. البيروقراطية بطبيعتها عندنا في مصر, بها مشكلات قديمة ومتجذرة.
كيف ترون الوضع الاقتصادي في مصر الآن؟
صعبا.. وأعتقد أن الناس لابد أن يكونوا مستعدين لقبول أنه سيستمر فترة, والمطمئن أن هناك إمكانات كبيرة, وهناك موقف عربي مساند لمصر سياسيا واقتصاديا بقوة أكثر مما كان يتمناه المصريون بشرط أن تعود الأمور لطبيعتها.
أعتقد أن مصر مع كل المشكلات تشبه الجسم القوي الذي يمر بفترة إصابة ولابد من أن يتم علاجه, ويسير علي نظام صارم من العلاج حتي يستعيد حيويته وينطلق, أنا بصدد مثل هذا الوضع.
هل أنت متفائل بالمستقبل المصري برغم تلك المشكلات والتحديات؟
متفائل وأحمل الهم, في الوقت نفسه لأني أري التفاؤل في آخر الشارع, والشارع الذي نسير فيه مليء بالمزالق, ويجب أن ننتبه ونكون حريصين, نريد إعادة الثقة للناس والقدرة علي الإنجاز, ولا نريد لكل حاجة في منتصف السكة أن تفشل ونعيد من الأول.
هل تري أن فترة الحكومة الانتقالية كافية لتحقيق أهدافها؟
لا.. وليس مطلوبا منها أن تضع هدفا.. أنا برأيي أن الحكومة الانتقالية هي حكومة وقتية وقصيرة, وبالرغم من ذلك فهي بالغة الخطورة, لأنها هي التي تضع الأسس للمستقبل الذي سوف يستمر لعقود, صحيح أنها ستبقي8 أشهر أو أقل, وإنما لو وضعت أسسا سليمة, فهذا سيساعد خلال السنوات المقبلة.
ما أولويات الحكومة في الفترة القليلة المقبلة؟
استرجاع الأمن والشعور بالأمان في الشارع, وضبط الحالة الاقتصادية, وخلق حالة من التفاؤل, ثم إعطاء جرعة من النجاحات الصغيرة, ليس لأنها تحل المشكلات, وإنما لأنها تعطي المصريين الشعور بالقدرة علي الإنجاز حتي لو أشياء صغيرة.
فالذي يشعر بأنه أنجز أشياء صغيرة يتأهل لتحمل المشاق, ولإنجاز أكبر, وأرجو إذا تم نوع من الاستقرار السياسي والأمني أن يتفاءل الناس بالمستقبل, ونعد دستورا ديمقراطيا يلتف حوله الناس, بحيث يكون مقبولا علي المستوي العالمي, ولابد أن نعرف أننا لو اجتمعنا علي شيء ضد المقبول عالميا سوف نضر أنفسنا.. العالم صاحب تجربة, ونحن جزء منه ولابد أن نتعامل معه, ونكون منفتحين.
ينبغي أن ندخل في العالم بقلب مفتوح, وندرك أنه لا تستطيع دولة أن تعيش في عزلة عما هو موجود في العالم, والدور الحقيقي الناجح ينبغي أن يكون مع العالم وبمساعدته وبالتعاون معه وبمقاومة الضغوط التي تحصل منه, أي أنك جزء من اللعبة لا تقدر أن تحملها وحدك.
الأهرام: هل الدعم الاقتصادي والسياسي الخليجي الذي أشرتم إليه يمكن أن يحد من المشكلات.. مثل السولار والبنزين والتموين؟
الببلاوي: المقدمات تبشر بالخير.. تخفف من فترة التضحيات.. بدلا من تكلفة بشرية عالية توجد ظروف أحسن نوعا ما.
متي يشعر المواطن بوجود حكومة قوية؟
يشعر عندما يحدث استقرار ويشعر بأن هناك أملا, ويشعر بأن هناك بعض الإنجاز الذي يبشر بأن هذه مقدمة لإنجازات أخري.
هل من الممكن أن تطمئن المواطن في مسألة الضرائب أو الرواتب؟
البعض يعتقد أن الإصلاح يكون عن طريق أمور فيها موارد مالية فقط, هناك إصلاحات أخري مهمة جدا, واحدة منها وافقنا عليها في اجتماع مجلس الوزراء الأخير.. وهناك قانون لمنع تضارب المصالح ومكافحة الفساد بشفافية كاملة ومسئولية, وعلي المسئولين أن يكشفوا عن مواردهم المالية وعن رواتبهم, ولا يجوز أن يكون هناك وجود لتضارب المصالح.
هذا قانون يعيد إلي حد كبير ثقة الناس في الموظف العام.. القانون القادم الذي سوف ندرسه هو قانون الجمعيات الأهلية.. وهو نشاط مهم جدا والقانون الذي يحكمه لا يحقق الغرض منه.. لا توجد رقابة كافية, وصدور هذا القانون أهم من زيادة الرواتب, لأنه سيطلق النشاط المدني, ومعظم الإنجازات في العالم لا تتم عن طريق الحكومة وحدها ولا عن طريق القطاع الاقتصادي, فالقطاع المدني يعلم الإنسان الآداب والأخلاق واحترام قيم المروءة واحترام الغير ورعاية الفقير ورعاية الطفل ورعاية المرأة.
أرجو أيضا أن نصل لشيء معقول من حرية المعلومات.. أن يكتب المرء معلومة صحيحة ويتحمل مسئوليتها. إن الدولة ليست فقط توزع أجورا ورواتب أو تجمع رسوما وضرائب.. الدولة تخلق الإطار القانوني الذي يجعلك في نشاطك اليومي تعمل في حرية وأمان.
تنتظر أن يحدث كل ذلك في الفترة الانتقالية؟
أي حكومة تعمل في إطار زمني وفي إطار موارد إنما هذه تطلعات وهناك قضايا عاجلة وأشياء عاجلة, ونحاول أن ننفذها, وليس معني كلامي أن مصر سوف تتحول بعد6 أشهر إلي سويسرا, فهذا صعب.
معظم قطاعات الشعب عابت علي الحكومات السابقة في حكم النظام السابق أنها لم تنجز شيئا.. ما أهم إخفاقاتهم في رأيكم؟
أول إخفاق أعتقد أنه خطير لأنه بدا كما لو كان لا يفي بوعوده ومن الممكن جدا ألا يستطيع أحد الوفاء بوعده, ويقابل الناس بصراحة ليلتمس لديهم العذر, ولكن هذا لم يحدث, فأول شيء هو عدم الوفاء وعدم القدرة علي المصارحة والاعتراف بأنه لم ينجح في الوفاء.. كان سيصبح في محل شجاعة كبيرة لو قال: اكتشفت أني لم استطع لظروف معينة الوفاء بالوعود.
الأمر الثاني أنني أعتقد أنه سواء عمل ذلك أو أعطي الانطباع به فقد بدا كما لو كان يريد إقصاء أناس ويأتي بأنصاره لتولي مفاتيح البلد.
هل كانت هذه المسألة تمثل ظاهرة؟
إحساسي بها أنها ليست ظاهرة, وإنما هذا إحساس في كثير من الوزارات التي دخلت فيها أعداد كبيرة من المراكز الأساسية دون أن نعرف لماذا دخلوا ودون أن توجد وراءهم سمعة كافية عن كفاءتهم.. وأتصور أن الحديث عن الأخونة فيه مبالغات, ولكن هذه المبالغات لها مظاهر تبررها.
هل يمكن أن نشهد في الفترة المقبلة ــ بسهولة ــ عودة الاستثمارات والسياحة؟
كل هذا رهن بنجاح الدولة في تحقيق الأمن والأمان في الشارع وينظر إلي مصر علي أنها دولة قادرة علي ضمان هذه الأمور, والعودة إلي مكانها.. رجل المرور يعود احترامه.. الشرطة أحافظ عليها لأنها تحميني.. القضاء سليم.. المعلومات التي تقال تكون سليمة.. المصارحة والمكاشفة شيء ضروري.. عدم الإقصاء, فنحن نتكلم عن فكرة المصالحة لكن هناك انطباعا بأن حكومة مرسي كانت تمارس بعض الإقصاء, لكنه تمكين لبعض كوادرها.
إن الأزمات التي لم تجد حلا في حكم مرسي أفقدته كثيرا من شعبيته, وأعتقد أن الذين خرجوا في30 يونيو ليسوا فلولا.. منهم كثيرون كانوا متفرجين نزلوا لأنهم فعلا أحسوا بالأزمة وتوقعوا أن الأمور ستكون أسوأ.
البعض يقول إن الإخوان لم يكونوا علي مستوي إدارة دولة.. هل توافقون علي هذا الطرح؟
هذا صحيح.. أنا أعتقد أن الإخوان لهم تجربة تاريخية هائلة ونجحوا فيها, لكنها كانت في مناخ مختلف.. إنهم محل اضطهاد وتمارس عليهم ضغوط من كل الجهات, فكانت المشكلة أمامهم كيف تنجو بحياتك في كل هذه الظروف المناوئة, وكيف تحتفظ الجماعة بتماسكها في التعامل مع حكومات تكرهها في بعض الأحيان, وتعمل معها صفقات وقتية لتحمي مصالح أكثر وتعمل صفقات مع أنواع متعددة من الأعداء.. قد يكون الإنجليز أحيانا.. قد يكون الملك فاروق أحيانا.. قد يكون الوفد أحيانا.. قد تكون ثورة جمال عبد الناصر أحيانا.. وبالتالي أصبح عندهم تقريبا ما يشبه غريزة القدرة علي العيش في ظروف مناوئة, أما أن يحكموا فهذا يتطلب خبرات مختلفة, وقدرات ليست لديهم.
أين هم في المرحلة المقبلة؟
أولا هم تعلموا.. واجبهم أن يشكروا الثورة التي أتت بهم, والثورة التي أخرجتهم, لأنه لولا الثورة الأولي ما كانوا تعلموا.
أقصد هل سيكون لهم مكان في الحياة السياسية؟
هذا قرارهم.. إذا قرروا المضي بالأسلوب السابق.. إذا اكتشفوا أن المطلوب ليس البقاء وإنما القدرة علي التعامل مع الآخرين, وكسب ودهم والبناء معهم.
هل وجدت فرقا بين الإخوان وبين التيارات الأخري والسلفيين؟
لا أستطيع القول إني أعرف السلفيين جيدا.. السلفيون وحزب النور وغيرهم أناس يتكلمون بإخلاص شديد, وعندهم رغبة وعندهم كل النيات الطيبة, لكن الحكم الدقيق يكون بالتجربة.
هل تخشي جوا توتر العلاقات بين مصر والولايات المتحدة؟
لا مفر من التعامل مع العالم الخارجي.. الولايات المتحدة دولة كبيرة, لها مصالح وتتعامل مع مصر باعتبارها دولة مهمة.. وتريد التعامل مع مصر في أوضاع مستقرة.
لا يوجد قلق علي علاقاتنا مع الولايات المتحدة.. القلق هو علي استقرارنا.. إن الولايات المتحدة ستكون من أوائل الدول التي تتعامل معنا.. ولا أعتقد أن أمريكا كانت مغرمة أو تريد الإخوان أن يأتوا, ولا أعتقد أنها الآن مغرمة بأن خرجوا, وإنما مظهر من مظاهر استقرار البلد أننا حكومة لها شعبية ولها التفاف شعبي وبناء عليه هذه دولة توحي بالاستقرار.. كل المطلوب الآن أن تستقر الأمور.
هل ترون أنها شبه مغرمة بالإخوان.. ولماذا؟
أنا كتبت في هذا الأمر.. وهذا رأيي ولا أعلم إذاكان صحيحا أم لا, فلا داعي لأن أكرره.
وأنا أعتقد أن إسرائيل لها مصلحة في وجود الإخوان لفترة, لأن إسرائيل أخذت معظم ما تريده من المنطقة العربية.. عندها دولة مستقرة من الناحية السياسية, وليس عليها خطر من الناحية العسكرية.. في غاية القوة اقتصاديا, ومزدهرة علميا.
وعندما تدخل مرسي في اتفاق بين إسرائيل وحماس لم يفعل ذلك دفاعا عن حماس.. تدخل وسيطا, وأتذكر أن مبارك لم يفعل هذا.
هل يوجد تغير في موقفنا من القضية الفلسطينية؟
كيف يحدث تغيير في القضية الفلسطينية.. حماس ليست هي القضية الفلسطينية.. حماس وجه سياسي موجود ومنهم من يعارض ومنهم من يؤيد القضية الفلسطينية.. القضية أكبر من الاثنين فتح وحماس.. الشعب العربي يعرف أن هناك قضية للشعب الفلسطيني أيا كانت الحكومة الموجودة, وأن للفلسطينيين حقوقا مشروعة يجب الحصول عليها, ويجب إرضاؤهم حتي تستقر المنطقة كلها.
الموقف المصري من الأزمة السورية أعتقد أنه مر بتغيير في الوضع الحالي.. أليس كذلك؟
مرسي كان قد اندفع قويا بأكثر مما يستطيع أن يفعله.. اندفع كلاما ولم يذكر أنه كان غير قادر علي أن يرسل أسلحة أو جنودا.. مجرد ظاهرة صوتية, وسحب السفير قبل أن يبلغ وزارة الخارجية لأنه وسط أنصاره وأخذته الجلالة وقال أنا أجدع واحد.
متي يمكن أن يقول د. حازم الببلاوي الحمد لله أنا حققت أهدافي المرجوة مني؟
هذا أمل كبير لو مرت المرحلة الانتقالية والبلد في سلم وأمان.. لكن الكل يدافع عن آرائه واتجاهاته.. في السلم نسعي لوضع دستور جيد مقبول من غالبية الشعب المصري, ونعمل انتخابات نزيهة.
ومتي تقول السلام عليكم.. هذه طريقة لا تعجبني في العمل؟
عندما أجد أن كل الطرق مسدودة أمامي, وإني أعمل بلا طائل.. إذا حصل تدخل معرقل لا يتفق مع ما أعتقد أنه مناسب.. لو أتت أشياء لا تعجبك فلا تقل لا يهمني والمركب تغرق, والبلد لا تستحمل.
نحن سعداء بهذا اللقاء, ونريدك أن توجه كلمة إلي الشعب المصري؟
الكلمة الأولي أن هذا بلدهم ولا أحد أقدر علي حمايته منهم, وهذا الوقت أبعد ما يكون عن الانقسام وكراهية الآخر, فما يربطنا أكبر بكثير مما يفرقنا, فالناس بقدر الإمكان تتنازل عن بعض كبريائها لحماية وحدة هذا البلد.
وحرام هذا الانقسام, ولو توحدنا وخلصت النيات يجب أن نعرف أن الذي أمامنا ليس سهلا ويحتاج إلي قدر من التحمل والتضحيات, والأمم لا تبني بالأمنيات والرغبات وإنما تبني بالعمل.
ليس هناك خيارات كثيرة أمامنا, ولابد أن ندرك أنه مع كل هذا فان فرص التفاؤل كبيرة وأن مصر دولة عظيمة تستحق منا كل جهد وتضحية.
المصدر اليوم السابع
* نقلا عن الأهرام