السبت، 23 يونيو 2012

حكاية أم


بريد السبت يكتبه : أحمد البرى
كانت قصة حب جميلة‏..‏ بدأت في مدرجات الجامعة‏,‏ تعلق بها من أول نظرة في أول يوم من أول سنة جامعية وبدأت التحركات الغرامية بالجلوس بالقرب منها في المدرج‏,‏وزاد الاقتراب وضاقت المسافة, وبعدها كانت النظرة ثم السلام ثم الكلام الذي طال وتشعب تدريجيا.
 بعدها سمحت له بحجز مكان لها بالمدرج, وتعمقت أواصر المحبة مع رحلات الكلية ومذكرات الدروس ومراجعتها معا في الكلية أو بالتليفون.. أيام سعيدة وظهرت نتيجة العام الأول ونجحا معا فكانت أول سعادة جامعية وتوالت فرحة النجاح في السنوات التالية, حتي كانت الفرحة الكبري حين تفوقا في الامتحان النهائي وتخرجا معا. لم يكن قد حدثها عن الزواج.. فقد كان هذا أمرا بدهيا وكان العثور علي عمل أمرا ممكنا بعض الشيء في تلك الأيام فالتحقا بعمل بسيط.. وتقدم للزواج منها.. كان شابا طيبا وديعا وكانت فتاة جميلة.. وفي بساطة وافقت العائلتان وعلت زغاريد السعادة في ليلة زفاف جميلة متواضعة وجمعتهما شقة صغيرة في حي هاديء.. وفي أول كل شهر كانا يضعان في علبة صغيرة راتبيهما بأكملهما ويسحبان منهما مصروف البيت وايجاره والفسحة مرة في الأسبوع, لا يسألان عن مال من هذا, فهو مشترك بينهما.
ومضي عام سعيد وصدح بكاء المولود الجديد, وعمت الفرحة العائلتين إجازة الوضع ثلاثة أشهر فقط والأيدي قصيرة, عادت لعملها, ومعها رضيعها تحمله في المواصلات وازدحامها في رحلة ذهاب وإياب شاقة.. تصل الي عملها, بثقلها, وتودع ابنها حضانة العمل وتعود لإرضاعه بانتظام في أثناء عملها بعد إذن تحصل عليه بمشقة من رئيسها.
كل هذا في بطولة صامتة كلها سعادة وتعب.. وتعود الي منزلها مع رضيعها.. تضعه بالفراش ثم تتحول لرعاية زوجها الحبيب تعد له ـ وهي في عز تعبها ـ غداء شهيا وعلي مائدة نمقتها بيد الحب يجلسان.. يتبادلان الأحاديث عن العمل وعن الابن.. زوجان سعيدان وقرة عينهما معا.
يكبر الطفل ويذهب للمدرسة.. ويخوضان معركة الاستيقاظ المبكر مع الابن والمشوار اليومي الجديد لإيصاله الي المدرسة فلم يكن الزوجان يملكان أجرة الأتوبيس, وبعد التوصيل تذهب الي عملها ثم تعود من العمل للمدرسة في سرعة ولهفة حتي لا يطول انتظار الابن الحبيب بعد نهاية اليوم الدراسي.. تصل الي المنزل, تطبخ.. تسوي المنزل والمائدة ذات الكراسي الثلاثة وتمضي الأيام.. الطفل الثاني ثم الثالث.. الزوجة متفرغة تماما لرعاية الأسرة.. أبناء في مختلف الأعمار والمشارب والأخلاق والطباع, تداعب هذا وتنهر ذاك وتذاكر للجميع وتطبخ للجميع.. وترعي الجميع.. عائلة يجمعها الحب والإخلاص والتفاني, ومازال الصندوق الصغير يجتمع فيه راتبا الزوجين وينفقان منه علي العائلة بلا حساب.. تمر السنون.. يستقيل الزوج من وظيفته الحكومية ويبدأ عملا خاصا برأس مال صغير جمعته الزوجة بحسن تدبيرها بينما استمرت هي في عملها الحكومي الذي لا يستغرق كل وقتها مما يمنحها فرصة رعاية الأبناء.
ومرت الأيام سعيدة هانئة علي الجميع.. الأبناء يكبرون يجتازون فترة المراهقة بسلام بفضل حنان الأم ورعايتها العاقلة.. الزوج هو الآخر في نجاح متصاعد والدخل متزايد حتي لم يعد الصندوق الصغير يسعه فألغي في النهاية وتحولت الأرباح الزائدة إلي حساب في البنك.. تزوج الأبناء وبقت هي وزوجها في المنزل.. تتطلع إلي أيام سعيدة مع زوجها وقد ارتاح بالهما بعد أن حققا أحلي أهداف حياتهما. ولكن الزمن والجهد الكبير في رعاية هذه الأسرة بدأ يترك آثارا واضحة علي الزوجة المخلصة المتفانية.. ومعها بدأ تباعد الزوج التدريجي عنها.. لم تقلق كثيرا وعللت ذلك بازدحام العمل وضغطه. ولكن الابتسامات واللفتات كانت قد قلت كثيرا عن ذي قبل وطالت فترات غياب الزوج عن المنزل............ إلي أن دق جرس الباب يوما لتجد أمامها محضرا.. ومعه ورقة طلاق!!!!!!! كانت صدمة قاسية.. لماذا! بعد هذا العمر؟.. بعد كل هذا الحب, وهذه العائلة التي حملناها معا علي أكتافنا. ثم كانت الطعنة الأخري حين رن جرس الهاتف عن صديق مشترك يخبرها بأن زوجها السابق يطلب منها أن تغادر المنزل فقد تزوج بأخري... وقعت سماعة الهاتف من يدها وهبطت علي الكرسي لا تدري ماذا تفعل, ذهول, صمت.. أين تذهب؟ وقد توفي والداها منذ زمن, ومضت بها الأيام القاسية وهي تنتقل في بيوت أبنائها والضيف ثقيل حتي لو كان أما.. في انتظار نفقة متواضعة قد يمن عليها بها القانون.
تلك قصة حقيقية... أظننا سمعنا مثلها الكثير. من يحمي هذه الزوجة وأمثالها عند الطلاق؟؟ في بلاد أخري يقرر القانون للزوجة المطلقة نصف ما امتلكت العائلة في أثناء الزواج, وهذا أمر يراه الجميع منطقيا وعادلا, فإذا كانت الحياة الزوجية توصف دائما بأنها شركة بين زوجين, فإن ما يصيب هذه الشركة من سعادة وشقاء.. فشل أو نجاح.. خسارة أو مكسب, يجب أن يتحمله الاثنان معا عند( التخارج) إذا سمينا الطلاق بهذا الاسم, وليحصل كل منهما علي حصته من هذه الشركة. هذا قانون تتبعه كثير من البلاد المتقدمة التي تعطي لكل ذي حق حقه, والتي ترفض الامتهان, وتقف مع الطرف الضعيف في هذه المشاركة, وتحميه من القسوة والظلم.. وفراغة العين!! وهو قانون لا يتعارض مع أي شرع أو دين بل هو يحق الحق ويرفع الظلم.... فسلام علي أم... سلام علي الأم.
>> تلقيت هذه الرسالة من د. خليل مصطفي الديواني وهي تعيد فتح قضية الطلاق بكل جوانبها والباب مفتوح للمناقشة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق