قال توماس فريدمان، الكاتب الأمريكى الشهير فى مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إنه قابل الأسبوع الماضى مصريين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة أكثر من هؤلاء الذين قابلهم طيلة 30 عاما، مشيرا إلى أنه فى عهد الرئيس السابق، حسنى مبارك كان هناك شخص واحد تتحدث إليه، شخص واحد قادر على صنع القرار، وكانت المحدثات واحدة من القمة إلى الأسفل، أما الآن فالوضع تغير.
ومضى الكاتب يقول، إن المصريين على ما يبدو وجدوا صوتهم المفقود وباتوا يكتشفون جيرانهم، وفى بعض الحالات، كانت الحقيقة صادمة، إذ قال له أحد قادة الإخوان المسلمين إنه شعر بالدهشة عندما أظهرت نتائج الانتخابات أعداد السلفيين فى مصر. "وعندما يقول لك الأصوليون إنهم لم يكونوا يعرفون أن هناك أصوليين أكثر صرامة منهم، فيمكنك تخيل دهشة الليبراليين، وليس الأمر كذلك فحسب، وإنما ذهل القادة العسكريون من استعداد وعزيمة الشباب العلمانى غير المسلح لمواجهة قوات الجيش لإجبار المجلس على التخلى عن السلطة، فعلى ما يبدو أخذ المصريون يتعرفون على بعضهم البعض لأول مرة منذ وقت طويل.
وأضاف الكاتب قائلا إنه كلما راقبت الوضع فى مصر، كلما اتضح الأمر بأن مصر لم تحظى بثورة بعد، وإنما حظت بانتفاضة، فالنظام العسكرى الذى حكم مصر منذ 1952 لايزال مسئولا عن إدارة البلاد، وما حدث كان أخذ المجلس العسكرى لمكان مبارك، ولكن ما فعلته هذه الانتفاضة كان أكثر من ذلك، فهى أزالت غبار أعوام عن المجتمع وجعلته يستفيق من غفلته وسمحت له بتنفس الأوكسجين، هذا إلى جانب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التى مكنت بدورها أناسا وأحزابا وأصواتا من جميع أطياف الحياة المصرية من الطفو على سطح المشهد السياسى، وأيا ما كان الرئيس الذى سيحكم مصر قريبا ينبغى أن يكون مستعدا لإجراء محادثة ذات طرفين مع هذه القوى الجديدة.
ورأى فريدمان أن السبيل الوحيد أمام ثورة ديمقراطية حقيقية وتغيير حقيقى فى هيكل القوى والمؤسسات، متمثل فى عثور هذه الأحزاب الجديدة على طريق للعمل معا لصياغة الدستور الجديد واختيار الرئيس الجديد.
ورغم أن الكاتب يدرك أن هذا لن يكون سهلا فى ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن نجاح هذه الثورة يتطلب عمل المجتمع كله معا، ومع الانقسامات وانعدام الثقة بين مراكز القوى الجديدة والقديمة والمتمثلة فى الجيش وقوات الأمن وشباب التحرير والإسلاميين والمسيحيين والأغلبية الصامتة التقليدية والليبراليين العلمانيين، يحتاج على ما يبدو المجتمع لأجازة ليتعرف على نفسه من جديد، على حد تعبير الكاتب.
وأعزى الكاتب أسباب التخوين بين أطياف الشعب المصرى وبعضها للأسلوب الذى أدار به مبارك البلاد، فشأنه شأن أى استبدادى، أدار بلاده "كمضارب الحماية"، على حد تعبير دانيل برومبرج، المدير المساعد لمركز دراسات الديمقراطية والإدارة فى جامعة جورج تاون، ومضى يقول إن الجماعات المختلفة سواء الأقليات الدينية والعرقية أو قطاع العمل أو الإسلاميين أو النشطاء العلمانيين، تم التلاعب بهم جميعا، والعمل على "الحماية" منهم من قبل الزعيم الذى احتل قمة الهرم، فالجميع كانوا يخشون بعضهم البعض.
ورأى الكاتب أن هذا الوضع تغير الآن، وبدأت الرياح تأتى بما تشتهى السفن بعدما غمر المشهد سياسة حقيقية، وسعى بعض المصريين على العمل على بناء خطوط ثقة بين مراكز القوى، مستشهدا بعمرو حمزاوى، الليبرالى العلمانى الذى انتخب للبرلمان المقبل، وعمل مع غيره على مناقشة الأحزاب الإسلامية بشأن كيفية التعاون معا فى التشريع لتحريك البلاد قدما ولإظهار أن القوى السياسية الجديدة تستطيع خلق مصر أفضل من قبل.
وقال حمزاوى متحدثا عن أعضاء البرلمان الجديد "نحن مازلنا نتعرف على بعضنا البعض، بأنماطنا المختلفة وحقائب طلباتنا واهتماماتنا وتحفظاتنا، ولكن أمامنا مجتمع ينتظر ولا يوجد أمامنا طريق إلا أن نلبى طلباتهم، والتحدى الأكبر متثمل فى تجاوز تعبئة الانتخابات، ولن نستطيع العمل إذا عبئنا البرلمان، وينبغى علينا تجاوز خلافاتنا الأيديولوجية، والتحدى هو أن نعرف المركز الاستراتيجى الجديد لمصر".
ورأى الكاتب أن طيلة 50 عاما من السياسة المصرية، كان هناك نوع من الصراع بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، وكلاهما يشك فى أنهما لديهما أجندات سرية للحصول على السلطة وحدهم، وينبغى الحذر منهما، ولكن الجديد فى الأمر، أنهما ليسا الوحيدين المتحكمين فى مستقبل مصر.
وختم فريدمان مقاله قائلا إن كلا من القوى القديمة والجديدة عليها أن تجد طريقا لمشاركة السلطة من أجل بناء هذه الدولة، ومصر فقدت الكثير من الـ30 عاما الماضيين، ولم يعد هناك أى وقت متبقى لخسارته.
اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق