الاثنين، 16 أبريل 2012

مصر بعد‏25‏ يناير‏:‏ دين وثــورة وبينهما مجهــول‏!‏

 يمثل حضور الدين في الحال المصري العام أحد الملامح الرئيسية لمرحلة ما بعد‏25‏ يناير وهو حضور أصاب البعض بالقلق
 ليس فقط بسبب ما أدي إليه من استقطاب واحتقان بين القوي الإسلامية والقوي الليبرالية والعلمانية ولكن أيضا بسبب ما قد يراه البعض انتكاسة وردة علي مكتسبات الثورة المدنية التي من المفترض أن تزيد بعدها مساحة المدني علي حساب الدين في القطاعين السياسي والاجتماعي‏.‏
أصبح هذا الأمر مثار جدل وبحث من جانب المؤلفين والباحثين داخل مصروخارجها ومن هنا كانت أهمية الدراسة التي قدمها خليل العناني الباحث والأكاديمي المصري في جامعة دروهام بانجلترا حول دورالدين في المجال العام في مصر بعد الثورة والصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات‏.‏
تؤكد الدراسة أن الدين سيكون له دور مهم في تحديد شكل التحول الديمقراطي وطبيعته في مصر خلال المرحلة المقبلة‏,‏ كما تجادل بانه لم تعد هناك قوة اسلامية مهيمنة علي المجال العام رغم التقدم الصاروخي لحركة الاخوان المسلمين‏,‏ وانما تري نوعا من التشظي داخل الحركة الإسلامية موضحة انه كلما اتجهت مصر نحو الديمقراطية‏,‏ حدث تحول في خطاب الأحزاب والتيارات الإسلامية القديمة والجديدة وتنوعت ايديولوجيتها وممارساتها‏.‏
وتقدم الدراسة نموذجا تفسيريا لصعود الحركات السياسية والاجتماعية ضمن السياقات السلطوية أو خلال حالات الانفتاح الديمقراطي المفاجيء ـ كما هو الحال الآن في مصر ـ وتقوم علي فكرة أن أي قوة سياسية أو حركة اجتماعية تعاني القمع والاقصاء ستقوم بتوسيع نفوذها ودورها في المجال العام كلما حدث نوع من الانفتاح والمرونة في المناخ السياسي‏,‏ بما يتيح لها حرية الحركة‏,‏ وخلال مرحلة الانفتاح تقوم الحركة بالترويج لأفكارها وايديولوجيتها وتعبئة أنصارها ومؤيديها من أجل زيادة الضغط علي القوي المنافسة لها والقبول بها كلاعب جديد في المجال العام‏.‏ وتتعاطي الدراسة مع التيارات الإسلامية ليس باعتبارها حركات دينية مغلقة وإنما بوصفها حركات اجتماعية ـ سياسية تتفاعل وتتأثر بالبيئة المحيطة بها‏,‏ ولديها تمثيل مجتمعي لا يمكن انكاره‏.‏
تقول الدراسة ان علاقة الدين بالثورات كانت ولاتزال مثيرة للجدل فقد خسرت الثورة الفرنسية‏(1789)‏ ضمنا باعتبارها انتصارا لأفكار التنوير والحداثة التي ناضل من أجلها رواد الفكر الفلسفي الفرنسي أمثال
جان جاك روسو وجون لوك‏,‏ في المقابل كان الدين عنصرا مؤثرا في نجاح بعض الثورات الأوروبية ضد أنظمة الظلم والاستبداد مثلما كان الأمر في اسبانيا والبرتغال منتصف السبعينيات من القرن العشرين‏,‏ وإيران اواخر التسعينيات من القرن العشرين‏,‏ وفي البرازيل منتصف الثمانينات من القرن العشرين‏,‏ وبولندا اوائل التسعينيات من القرن العشرين‏.‏
وفي اسبانيا تبنت الكنيسة سياسات ليبرالية منذ اواخر ستينيات القرن العشرين تحت حكم فرانسيسكو فرانكو‏(1939‏ ـ‏1975)‏ حيث طالبت بضرورة اجراء انتخابات نزيهة وشفافة داخل النقابات العمالية والمهنية‏,‏ كما طلبت الكنيسة الإسبانية‏(‏ الكاثوليكية ضرورة اجراء انتخابات‏)‏ شفافة لاختيار الأساقفة الذين يمثلون الكنيسة في الفاتيكان وزادت معارضة الكنيسة لفرانكو ودعا التيار الديمقراطي المسيحي في اسبانيا لضرورة تقييد سلطات الملك مقابل زيادة صلاحيات البرلمان وتحت عنوان مركزية الدين في الثورة المصرية يقول الباحث ان الشعار الذي حملته الثورات العربية وخاصة المصرية هو انها ثورة سلمية مدنية ولكن هذا لا يعني ان الدين كان غائبا عنها‏.‏ ويشير إلي ان حضور الدين في الثورة المصرية له اشكال عديدة تراوحت بين الحضور الرمزي والسياسي والتعبوي فقد كانت المساجد المصرية كما الحال حاليا في سوريا ومن قبل في اليمن اماكن تنظيمية وتعبوية لعشرات الآلاف من الناخبين علي الحكام الديكتاتوريين‏.‏
وقال في هذا الصدد انه في يوم جمعة الغضب في‏28‏ يناير‏2011‏ وهو عنق الزجاجة في الثورة المصرية ربط الشباب المصري بين التظاهر وصلاة الجمعة مما أدي لحشد وتعبئة عشرات الآلاف من المصريين الذين لم يمارسوا السياسة ولو ليوم واحد‏.‏
وظهرت أيام الثورة اسماء المساجد الكبري التي احتضنت الثورة مثل مسجد عمر مكرم وكذلك مسجد القائد ابراهيم في محطة الرمل بالاسكندرية كما كان مسجد الشهداء في السويس نقطة التقاء وارتكاز لإدارة المظاهرات ضد قوات الأمن المصرية طوال أيام الثورة‏.‏
ويشير المؤلف إلي ان الحضور الديني خلال الثورة المصرية كان حضورا رمزيا إلا انه اصبح اكثر وضوحا وصخبا بعدها وهو امر منطقي مع عودة القوي السياسية والاجتماعية إلي إبراز هوياتها وانتماءاتها الأولية لاسيما بعد تحقق الهدف المشترك وهو إزالة نظام مبارك‏.‏ أما فيما يتعلق بالاستخدام السياسي لملف الهوية يقول المؤلف انه بدا واضحا ان جميع التيارات السياسية ممثلة في الليبراليين والإسلاميين والعلمانيين واليساريين قد أساءت التصرف خلال مرحلة ما بعد الثورة ووقعت جميعا في نفس الاخطاء فجميعها تعاطي مع مسألة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية من منظور المصالح الضيقة‏.‏ والانحياز لوجهة نظر بعينها دون الاستعداد لقبول الاختلاف وهو ما أسهم في تأليب الجمهور وتزايد الانقسام بين جميع فئاته وسهولة استقطابها لذا فقد كان الاستفتاء علي التعديلات الدستورية مرآة عاكسة لحجم الخلاف الذي ظل خافيا طوال عهد مبارك نظرا لقمعه للجميع ثم ما لبث أن فاجأ المجتمع بأكمله بقمعه وعلي الرغم من ان الاستفتاء علي التعديلات الدستورية كان مسألة فنية تتعلق بتنظيم اجراءات المرحلة الانتقالية وخطواتها ولا تتعلق بهوية الدولة أو علاقة الدين بالمجتمع‏,‏ فإن البعض حاول توظيف هذا الأمر من أجل تحقيق مصالح سياسية وايديولوجية بعينها‏.‏ وعلي نفس المنوال ظل الخلاف بين القوي السياسية كما هو حتي بعد حسم المسألة في الأستفتاء الدستوري لصالح تنظيم الانتخابات التشريعية ثم تكوين لجنة تأسيس لوضع دستور جديد‏.‏ وحذر المؤلف من حالة الاستقطاب الاسلامي العلماني للمجتمع خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية واجرائية هي في حاجة للتوافق أكثر من الصراع وهو ما قد يتسبب هي تعطيل المسار الديمقراطي في مرحلة ما بعد الثورة وهو ما ظهر جليا في تشكيل جمعية لتأسيسية لوضع الدستور‏.‏ ويشير المؤلف إلي أنه في مرحلة ما بعد ثورة‏25‏ يناير فقد حدث نوع من الانفجار في التكوينات السياسية التي تستلهم المرجعية الدينية وبات العمل السياسي الطريق المفضل لدي الكثير من المنتمين للتيارات الإسلامية بما فيها تلك التي كانت ترفض وربما تحرم الممارسة السياسية والنشاط الحزبي علي أسس دينية وأيديولوجية كالسلفيين والجهاديين السابقين من أجل تطبيق مشاريعها الدينية والسياسية والحصول علي مساحة شرعية في المجال العام‏.‏ أما فيما يتعلق بالبعد الفكري فثمة تغيرات ملحوظة يشهدها الخطاب السياسي والأيديولوجي للتيارات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة أبرزها أن الديمقراطية أصبحت هي المرجعية الحاكمة لبنية هذا لخطاب علي الأقل إجرائيا بما يعني نبذ العنف شكلا ومضمونا والاحتكام لصناديق الاقتراع إلي جانب تغيير بلغة الخطاب من الشعارات الأيديولوجية الفضفاضة إلي البرامج والسياسات البرجماتية سعيا لكسب الجمهور‏.‏



المصدر الاهرام المسائي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق