الاثنين، 16 أبريل 2012

العقيـدة والسلوك حاجة الإنسانية إلي العقيدة‏4-1‏

 إن الإنسان آية الله في خلقه‏,‏ طبعه ربه علي هذا النحو العجيب وفطره علي هذه الصبغة الفذة‏,‏ مقترنة بعديد من الغرائز والميول‏,‏ وحينما تشده الأولي إلي زكاة النفس‏,‏ واستواء الفطرة‏,‏ وقصد السبيل‏,‏
 فإن الثانية تشده إلي النقيض تماما بتمام‏,‏ وبين هذا وذاك يتطلع الإنسان ويرنو إلي ما يحفظ عليه نقاء معدنه‏,‏ وصفاء جوهره‏,‏ وزكاة نفسه‏,‏ وطهارة قلبه‏,‏ واعتدال خلقه‏,‏ وقصد سلوكه‏,‏ ويجعله علي طول الخط سوي المنهج‏,‏ قوي السبيل‏,‏ زكي الباعث‏,‏ نبيل المقصد‏,‏ متعلقا بمعالي الأمور‏,‏ نائيا عن سفاسفها‏,‏ يتطلع إلي ذلك ويهفو اليه‏,‏ فلا يجده إلا في رحاب الإيمان بالله‏,‏ وأحضان الطاعة له‏,‏ وظلال القرب منه‏.‏
والإنسان بفطرته لا يملك ان يستقر في هذا الكون الهائل‏,‏ فلابد له من ارتباط معين بهذا الكون‏,‏ يضمن له الاستقرار فيه‏,‏ ومعرفة مكانه في هذا الكون الذي يستقر فيه فلابد له إذن من عقيدة تفسر له ما حوله‏,‏ وتفسر له مكانه فيما حوله فهي ضرورة فطرية‏,‏ شعورية‏,‏ تقوم بالتأصيل لجوهر الفطرة ومتابعة بعثها‏,‏ لضمان استمرار حركتها وعملها وانطلاقها‏.‏
ومن هنا‏:‏ كانت حاجة الإنسان إلي العقيدة حاجة فطرية مركوزة في فطرته‏,‏ ومغروسة في شعوره‏,‏ ومخلوطة بدمه وعصبه‏,‏ ولكنه قد يضل عن إدراك هذه الحقيقة‏,‏ فيشقي ويحار‏,‏ ويفقد الاستقرار‏.‏
هذه الحاجة الفطرية في الإنسان إلي الدين‏,‏ هي التي يتحقق بها إدراك الإنسان لحقيقة مقامه في هذه الحياة‏,‏ ورسالته وعمله ودوره‏.‏
وقد أودع الله ـ سبحانه وتعالي ـ في الإنسان ما يستطيع به إدراك الحقائق الكبري في الوجود وندبه الله ـ سبحانه وتعالي ـ للقيام بمهمة التعرف علي هذه الحقائق التي يراها الحس والعقل والوجدان‏,‏ في الآفاق وفي النفس‏,‏ وفي كل شئ ففي الأرض آيات للمؤمنين‏,‏ وفي السماء مثلها وأعظم فالفطرة الإنسانية السليمة هي التي تتوجه إلي الكون بروح متفتحة تكشف ما فيه من قصد وتصميم وإبداع وتنتهي إلي إدراك مكانها من هذا الوجود وتحديد كيفية سلوكها فيه‏,‏ ومن خلال هذا التصور تتحدد علاقة الإنسان بربه‏.‏
فالإنسان لا غني له عن الدين‏,‏ لأنه يحسه في نفسه‏,‏ شعورا ووجدانا ويشير إلي هذا الشعور ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ ما من مولود إلا يولد علي الفطرة
وقول الله تعالي‏:‏ وإذ أخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا آن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون‏)‏ الاعراف‏:172‏ ـ‏173.‏
ففي هذه الآية‏:‏ بين الله ـ تعالي ـ انه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نسلا بعد نسل‏,‏ علي هيئة الذر‏,‏ وذلك قبل خلقهم في الدنيا وأشهدهم علي أنفسهم قائلالهم‏:‏ ألست بربكم فأجابوا‏:‏ بلي شهدنا بذلك‏,‏ فالله ـ سبحانه وتعالي أشهدهم علي ربوبيته‏,‏ حتي لا يقولوا يوم القيامة‏:‏ إنا كنا عن هذا التوحيد غافلين أو غير عالمين‏.‏
فالإيمان بالله فطرة الله الناس عليها‏,‏ وإنما يضلون عنها بعض الوقت أو كل الوقت‏,‏ ثم يعودون إليها ولو عند فراق الحياة‏,‏ أو عند نزول الكوارث والأحداث‏,‏ فقد كان فرعون يدعي الألوهية‏,‏ ويقول لقومه‏:(‏ فقال أنا ربكم الأعلي‏)‏ النازعات‏:24‏ وسام بني اسرائيل سوء العذاب‏,‏ وكفر بموسي‏,‏ وإله موسي‏,‏ ولكنه عندما أدركه الغرق‏,‏ قال‏:‏ امنت انه لا إله إلا الذي أمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين‏(‏ يونس‏:90).‏ والمشركون بالله‏,‏ والكافرون به‏,‏ في كل الأجيال‏,‏ كانوا يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام‏,‏ فإذا مسهم الضر في البر أو البحر‏,‏ لجأوا إلي الله يدعونه ويسألونه النجاة‏(‏ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضر مسه‏)‏ يونس‏:12.‏





المصدر الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق