فيلم كف القمر
فالقصة الأساسية تدور حول أم في إحدي قري الصعيد الفقيرة يعمل زوجها في حفر الجبال حتي يعثر علي كنز فرعوني فيقتله تجار الآثار. وتجد الأم نفسها في مواجهة مع عم الأولاد الذي يريد طردها من المنزل للاستيلاء عليه, وعلينا أن نصدق أن العم الصعيدي رجل بلا قلب ولا قيم سيرمي أبناء أخيه الخمسة في العراء مع أمهم لطمعه, ولا أحد يعترض من القرية أو أقاربهم وكأنه فعل عادي ومقبول. وإمعانا في المبالغة تطلب الأم من أبنائها الرحيل للقاهرة كلهم دفعة واحدة لكي يستطيعوا تحويل بيتهم المصنوع من الطين الي بيت مبني من الطوب الأحمروكأن الأمر يحتاج لملايين وليس لبضعة ألاف, ولا تعرف لماذا لم تستبق الأم ابنا أو اثنين معها لحمايتها أو رعايتها مثلا, ثم تفاجأ ان ابناءها المهاجرين, هم خالد صالح الذي يلعب دور ذكري الابن الاكبر وصبري فواز وياسر المصري وحسن الرداد وهيثم أحمد زكي وكلهم باستثناء الاخير قد تخطو عمر الثلاثين وخالد صالح تحديدا لايقل عن الاربعين, ولم نسمع من قبل عن صعيدي هاجر للمدينة وهو فوق الثلاثين, لكنه ضعف الإيحاء الذي يعتبر طابع هذا الفيلم الرئيسي, ويؤكده مثلا إختيار خالد يوسف لمنزل الأم( قمر) بالقرب من طريق سريع برغم أن الأحداث توحي بأن القرية نائية قريبة من الجبل!! وفي القاهرة يصل الرجال الخمسة الي وسط البلد حيث يعمل من يعمل في مقهي والاخر, في محل عصير قصب والثالث بائع فاكهة سريح والرابع راقص تنورة وراء راقصة والأخ الأكبر في تجارة السلاح, وبرغم وجود تفاصيل كثيرة لكل منهم فإن رسم الشخصيات جاء ضحلا ولا يتسم بأي عمق, مجرد طابع عام لكل شخصية بدون تبرير لأفعالها, نمطية بلا روح أو دم..( جودة) مثلا يصبح تاجر مخدرات عتيد في النصف الثاني من الفيلم بدون مقدمات لذلك...أما الأخ الأصغر ياسين فيحب راقصة كساذج منوم مغناطيسيا ويعمل وراءها راقص تنورة. ثم يجبره( ذكري) علي ترك الراقصة فيهرب ياسين ويتحول الي التصوف, وارتياد الموالد, وهنا يطرح السؤال نفسه هل السمو والحب الخالص النقي للذات الالهية يلجأ له المحبطون في عشقهم؟ هل هذا هو فهم ناصر عبد الرحمن للصوفية؟ ثم فجأة ينقلب الاخوة علي أخيهم ويتهموه انه السبب في كل مشكلاتهم ويتركون ويتمردون عليه, ولا تعرف منطقا لذلك لكنك تنتقل الي الصعيد حيث الأم تعاني من انقضاض الصبية وسرقتهم محتويات المنزل بل وتحطيمهم إياه, أين يحدث هذا في مصر؟ ليس واقعا بالتأكيد وإذا كان خيالا فهو خيال عقيم لأن الفيلم قام بأكمله علي تلك الفرضية, طبعا لو تبدو الرغبة في استخدام الرموز هي التي تكسر أي ايهام أو منطق, والغريب ان الشخصيات طوال الوقت تفصح عن مكنوناتها ورغباتها بدون أي فهم لطبيعة الحوار في الفيلم السينمائي ودوره أن يوحي أكثر مما يعلن, فما بالك هنا والنبرة المشبعة بالاصطناع هي طابع الكلام وتتكرر المعاني نفسها عن أهمية تجمع الاخوة وضرورة تماسكهم وحبهم لبعض عشرات المرات حتي يبدو الأمر في النهاية مضحكا أكثر منه محبطا ويضع حائطا صلبا في التواصل بين المتفرج والفيلم تجعله في لحظة ما يفقد أي تعاطف مع الأحداث أو أي توحد مع الشخصيات, وما أسهم في ذلك أساسا هو الغياب الكلي للحبكة بمعناها المعروف وعدم وجود أي صراع أساسي يدفع الأحداث للأمام ويصبح قاطرة الفيلم, بل وكانت الطامة الكبري في الفيلم هي شكل السرد المليء بتداخل الأزمنة في نصفه الثاني حيث يقرر الأخ الأكبر( ذكري) البحث عن اخوته لكي يجمعهم معا لأن أمهم تريد رؤيتهم قبل موتها معا وليس فرادي, فيبدأ ذكري في تتبع أثر اخوته وكأنهم سقطوا منه فجأة في عالم النسيان بدون ان ينتبه ثم يسرد المخرج والمؤلف في فلاش باك قصة كل أخ ولماذا كره أخيه الأكبر! ولا أعرف من أين جاء يوسف وعبد الرحمن بهذا البناء الدرامي الغريب الذي لم يشر اليه أرسطو أبدا ولم يلجأ اليه أي من عباقرة السينما في العالم, طبعا تجد ان الصراعات مع أخيهم ساذجة بكل معني الكلمة وكلها نابعة من قانون الصدفة الذي يصنف في عالم الدراما باعتباره أكثر الوسائل فشلا.
(بكر) اكتشف صدفة أن حبيبته هي عشيقة أخيه و(ضاحي) اكتشف أن أخيه خبأ صدفة السلاح الذي يتاجر فيه في عربة اليد التي يحمل عليها خضرواته, وبعد كل ذلك يكرهونه, واستمرارا في الميول( الهندية) تجد قصة غادة عبد الرازق بالفيلم وهي ابنة عم ذكري التي يحبها وتحبه وطبعا العم يرفض زواجهما برغم أن شكلها امرأة مخضرمة وليست فتاة يافعة ثم تدخل مستشفي نفسي فيجيء ذكري هنا ويتزوجها, فيثور أهلها ويخطفوا أم ذكري كي يرجع لهم ابنتهم, لا أعرف حقا عن أي صعيد يتحدث المؤلف وهو صعيدي أساسا, والحق انه لو استأجر أعداء الصعايدة ـ من يريد تشويه صورتهم ـ لما وجدوا أفضل من ناصر عبد الرحمن الذي يظهرهم في كل فيلم كأن الكراهية وسوء الطباع والحدة والشقاق هي سماتهم الأساسية, في رائعته المشابهة( دكان شحاتة), اجتمع الاخوة ايضا علي كره أخيهم الأصغر بلا سبب إلا توهمهم ان الاب يفضله بل وسرقوا إرث أختهم, الأمر نفسه يتكرر مع نظرة المؤلف للنساء في أفلامه فهن باستثناء الأمهات مدمرات العائلات وحاملات الرذيلة وتحت الشبهات في الأغلب والدليل في( حين ميسرة) وفي هذا الفيلم حيث تبدو شخصية جومانة مراد العاملة اللعوب وحورية فرغلي الراقصة الهائمة مثالا لذلك, وهكذا بفضل كل ذلك وغيره من انهيار البناء الدرامي والمباشرة الزاعقة وتحميل القصة مالا تحتمل وضعف الماكياج بصورة هزلية وسوء الاختيار العمري للممثلين, أصبحت مشاهدة( كف القمر) ضرب من ضروب العذاب والملل وغياب أي نوع من أنواع المتعة السينمائية المعروفة لهذا يستطيع الفيلم( كف القمر) ان يقف بلا منافس كواحد من أردأ الأفلام المصرية في العقدين الاخيرين, ونموذجا يدرس في معاهد السينما لعمل يحشد أكبر عدد من الأخطاء الفنية في فيلم واحد
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق