الخميس، 8 ديسمبر 2011

"لا" إتجاه جديد في السينما المصرية



في الفيلم السينمائي الجديد "لا" يقدم لنا الفنان هشام عبدالحميد‏17‏ مشهدا متصلة منفصلة‏..‏ ويبدو للمشاهد لأول وهلة أنها مشاهد متناثرة هنا وهناك ولكنها في واقع الأمر تتصل بخيط فكري واحد..


كل مشهد يمثل صدمة تثير فينا الدهشة والمتعة والتأمل.. الفيلم من إخراجه وتأليفه وتمثيله.. استخدم بذكاء شديد الأسلوب البريختي الذي يدفع العقل إلي التأمل أكثر من الانفعال ويستعين بمفردات هذا الأسلوب في فيلمه الوثائقي التسجيلي من خلال أقنعة واختيار دقيق للموسيقي وتصميم ملابس قليلة ولكنها شديدة التميز.
فنسمع علي سبيل المثال في بداية الفيلم صوتا تسجيليا لمانديلا وهو يتعرض لقضية الديمقراطية ومبدأ تكافؤ الفرص ويخلع بطل الفيلم القناع وكأن لسان حاله يخبرنا بأننا سنشاهد كل الحقيقة المسكوت عنها أو المثار ضدها التي من ثم تطلق صرخة الفيلم لا الاحتجاجية.. من خلال أيضا مارتن لوثر كينج المناهض للتفرقة العنصرية في أمريكا في خطابه لدي حلم.
وفي مشهد الغول وهو عن الفتنة الطائفية وقد جسدها هشام بمهارة وهو يصرخ أيضا بـ لا الاحتجاجية بأنه لو خرج هذا الغول من القمقم سيقضي علي الأخضر واليابس ويتبعه بلوحة شديدة التميز والدلالة بعنوان الحائط, وقد استخدم هنا خيال الظل علي نغمات أم كلثوم ليصل بنا في نهاية الأمر إلي الصراع بين القوي والضعيف.. وأن القوي يغتال الضعيف دوما وهذه اللوحة تأخذ دلالات كثيرة واتجاهات مختلفة.
وكذلك لوحة الدكتاتور والناس.. فعلاقة الديكتاتور بالإعلام الذي من المفروض أن يطرح الحقيقة دائما مصحوبة بالتوتر والقمع, ولهذا فالأنظمة الشمولية المستبدة دائما ما تحاول اسكات هذا الإعلام الحر.. ونجد في الناس الطيبين قبل الثورة الإنسان البسيط الطيب الذي يتم تعريته من كل شيء والاستيلاء علي كل ما يملك حتي ولو كان بسيطا وهو سعيد قانع بهذا ولكن تأتي مباريات كرة القدم من الإذاعة( أي من مؤسسة الإعلام التابعة للنظام), وهنا إشارة مهمة الي دور المؤسسة الإعلامية في تخدير المواطن وتفريغه من محتواه.. فكان رد فعل المواطن عن احراز الهدف الكروي كأن الثورة اندلعت.. فهو يمسك بعلم مصر وهو عار تماما لكي يقفز ويحمد الله علي هذا النصر الكبير وينام قرير العين.. هذه المفارقة توضح دور المؤسسة الإعلامية في تخدير المواطن وخنوعه واستسلامه لما يمليه عليه النظام.
يأتي الفيلم بمشهد عنوانه منديل الأمان وهو وجه آخر للقمع والديكتاتورية التي تجبر المواطن البسيط علي تجرع الماء بالملح بعد أن كان سعيدا بالماء بالسكر ويتم اجباره مرة أخري علي تجرع الماء بالشطة.
ومن المشاهد التي لا تنسي بالفيلم مشهد عاجل وهو الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي وهذا الإيجاز المكثف شديد البراعة في تصويره علي أنه دوائر لا تنتهي.. ونحن لا نملك إلا أن نضحك بسخرية تصل الي حد البكاء جراء هذه المأساة.
أما مشهد فيس بوك بالفيلم فهو يمثل مقتل خالد سعيد بطريقة وحشية علي مواقع التواصل الاجتماعي.. ومن ثم كان أحد الأسباب الرئيسية لإندلاع الثورة.. فالمخرج استخدم اللونين الأبيض والأسود لكل الفيلم إلا في أماكن محددة وبهذا الاستخدام كانت هذه اللوحة وكأنها الثورة أعادت الحياة بألوانها ومقاومتها.
وهناك مشهد الحجاب وقد أوضح المخرج فيه كيف بدأ مبارك في حادث المنصة وكيف انتهي متنحيا بناء علي طلب الشعب, وهو مشهد من أجمل مشاهد الفيلم.. أما مشهد الحدود فيضعنا أمام سؤال بالغ الخطورة والأهمية وهو: هل في الإمكان الحصول علي وطن بلا حدود؟ أم أن هذا ضرب من الخيال!
وينتهي هذا الفيلم غير التقليدي علي طريقة الروندو وهي طريقة في الموسيقي تبدأ بمعزوفة وتنتهي بنفس المعزوفة, وهذا ما حدث في الفيلم حيث بدأ بمانديلا ومارتن لوثر كتأكيد علي مبادئ الحرية والمساواة والتسامح, وكذلك لتأكيد أهمية الأفكار الإنسانية الخالدة في قيام الثورات.. فقد انتقل الفيلم من أول مشهد من العام الإنساني الي الخاص العربي وفي خلفيته خطب تمثل الفكر التحرض علي قيام الثورات ضد قوي الاستبداد والقمع.. ومن هنا اكتسب هذا العمل خصوصياته وجمالاته



المصدر : الاهرام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق