الجمعة، 9 ديسمبر 2011

د‏.‏ علي السلمي يكشف حقيقة الصراع حول الوثيقة الدستورية‏



محتوي الوثيقة الضمانة الوحيدة لتجنب الصدام بين التيارات الإسلامية والليبرالية

وسط عتمة ظلمة الخوف من المجهول ولدت وثيقة المباديء الحاكمة للدستور لتكون شعلة نور تهتدي علي أثرها القوي السياسية والاحزاب


في بناء دستور جديد يرقي لدولة ديمقراطية وعصرية ومتطورة. ومضت الخطوات علي الطريق بوقع جاد.. لم تتعارض فيه المصالح وظل المشروع الوطني.. الهدف والغاية.. حتي منتصف الطريق.. نقطة فارقة عندها اصطدمت المصالح وباتت الوثيقة التي جمعت شتات القوي السياسية والاحزاب في لحظة ما.. باتت الازمة التي تضعف بنيان المجتمع وتدفع به صوب حافة المجهول.
وفجأة أحاط صراع قوي بالقابض علي الوثيقة الدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي وقتها.. ادارته وحركت كل خيوطه جماعة الاخوان المسلمين واكمل مسيرته حزب الحرية والعدالة.. ربما تأتي الرياح بما تشتهي السفن ويواري الثري الوثيقة المقترحة.. اتهامات عديدة ولوم شديد تحمله في سبيل خروج الوثيقة الي النور وتصبح واقعا يسبير اغوار التعديلات الدستورية التي مضت في الاتجاه المعاكس.. صمت كثيرا انتظارا لوقت مناسب يبوح فيه بتفاصيل الوثيقة الأزمة.. في هذا الحوار يبوح الدكتور علي السلمي بكل الحقائق.
وثيقة المباديء الحاكمة للدستور خرجت برؤية خاصة اعتنقتها وسعيت لجعلها أمرا واقعا؟
هناك خلفيات للوثيقة تعود للأيام الأخيرة من عمر النظام السياسي السابق واللقاءات التي عقدها اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وقتها مع القوي والأحزاب السياسية لايجاد صيغة مشتركة لتدارك خطر المرحلة الراهنة ووضع حزب الوفد رؤيته المتكاملة لدفع القوي والأحزاب السياسية للالتفاف حول هدف وطني نعمل من أجل انجازه ولاقي ذلك قبولا واسعا.
وعندما سقط النظام توقف الحديث عن وثيقة المباديء الدستورية وعاد وتجدد مع الاتجاه لتكوين الائتلاف الوطني للتغيير بمبادرة من حزب الوفد وضم في عضويته41 حزبا ومنها جماعة الإخوان المسلمين واديرت حلقات نقاشية واسعة لبلورة محتوي ومضمون الوثيقة وسارت الأمور علي درب لم يطف فوق سطحه بوادر أزمة وتم الاتفاق علي رؤية محددة وتلاقي الجميع عند نقطة واحدة. كنا نعمل وقتها علي قلب رجل واحد لم تظهر نوايا سيئة تنذر بمحاولات تيار سياسي العبث بالوثيقة والمحتوي الذي جاء فيها.. لكن بمرور الأيام وتلاحق الأحداث بدأت كثير من الأمور تتكشف وتأخذ وضعا مختلفا لم يكن سائدا وقت طرح الرؤي حول الوثيقة.
تلقي بكامل المسئولية علي عاتق تيار سياسي بذاته صوب افساد الوثيقة الحاكمة للدستور؟
الأمور في بدايتها كانت تصب في مجري واحد من أجل بناء مجتمع مغاير يقوم علي ترسيخ التجربة الديمقراطية التي تعبر عن آمال ثورة52 يناير وكنا نملك في تلك الأثناء مشروعا وطنيا خالصا للوطن وفجأة انسلخت جماعة الإخوان المسلمين وتكشفت نوايا مغايرة للمشروع الوطني الذي نسعي إلي تحقيقه علي أرض الواقع رغم أن صناعة المباديء الحاكمة خرجت من بين بنات أفكار الإخوان.. لكن كل ذلك تم الحنث به وطرح جانبا وبدأ الحديث عن الوثيقة يأخذ شكلا آخر لم يكن مطروحا علي القوي والأحزاب السياسية المشاركة في صياغتها.. قيادة دفة الأمور حدث فيها خلل وهذا الخلل أحدثه موقف جماعة الإخوان المسلمين من الوثيقة بكل محتواها وبدأ الحديث عنها يأخذ شكلا فيه نوع من فرض وجهات النظر دون مراعاة للتيارات السياسية الأخري ومصلحة المجتمع.
قيل بإن رؤيتك للوثيقة لم تكن تتضمن مشروعا وطنيا وإثر ذلك تصدي لها الاخوان المسلمون؟
جماعة الإخوان المسلمين لم تكن بمنأي من المحتوي والطرح الذي جاء في الوثيقة.. فقياداتها منذ الوهلة الأولي عايشوا الموقف وساهموا في تكوين صورته.. حتي وصلنا إلي رؤية كاملة نتفق عليها جميعا بدليل أن الأمور في بدايتها لم تكن تبعث علي بوادر أزمة تلوح في الأفق.. المشكلة أن المتغيرات السياسية المتلاحقة في الفترة القليلة الماضية دفعت الإخوان المسلمين إلي الاحساس بأنهم الأقدر علي إدارة المرحلة الراهنة وكان طبيعيا في خضم التصور العالق بأذهانهم أن يحاولوا تصدر المشهد السياسي.
الوثيقة لم تخرج من بين بنات أفكاري ولكنها نتاج حوار سياسي علي مستوي الأحزاب والقوي السياسية.. نحن عبر حزب الوفد طرحنا الفكرة والصياغة والمحتوي ليس لشخص أو تيار سياسي بذاته وإنما ضمانة لكل أطياف المجتمع.
الاخوان المسلمون كان لديهم تحفظات علي بعض محتويات الوثيقة الدستورية ولم تستجب لها؟
عندما تم استئناف الحوار السياسي حول الوثيقة للخروج برؤية سياسية توافقية بعد أن توليت مسئولية نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي حول المعايير الاساسية لاختيار اعضاء الجمعية التأسيسية للدستور وعلي مدي96 ساعة خلال30 اجتماعا حضرها كل الطوائف السياسية في المجتمع واتفق الجميع علي النقاط الاساسية من منطلق تحقيق المصلحة الوطنية.وفجأة قفز حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان المسلمين وحدد مطلبا أساسيا بالغاء كلمة مدنية من الاطار الحاكم لوثيقة المباديء الدستورية وكان ذلك أمرا يصعب تحقيقه فقد هبت التيارات السياسية الأخري رافضة ذلك المطلب ولم يكن بوسعي في ذلك الحين الانحياز الي طرف علي حساب طرف آخر وحاولت علي مدي الوقت التقريب في وجهات النظر للوصول الي صيغة ملائمة ترضي كافة القوي السياسية.. لكني لم اتمكن من تحقيق هذا التوافق بعدما وجدت صلفا من قيادات حزب الحرية والعدالة ممثلا في الموقف الذي اتخذه الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب والدكتور سعد الكتاتني الأمين العام له وسارت الامور نحو طريق مسدود اثر التمسك بحذف كلمة مدنية.. تحول غريب في مواقف قيادات حزب الحرية والعدالة ولكنه يكشف عن نوايا مسبقة أثارت قلقا مجتمعيا لدي الأحزاب والقوي السياسية الأخري وايقنت ان التيار الاسلامي يريد دفع المجتمع نحو منعطف جديد.
كان هناك توافق كامل من كافة التيارت السياسية بما فيها الحرية والعدالة علي وثيقة الأزهر ورغم ذلك لم تنحاز إليها واخترت التعامل علي وثيقة بذاتها؟
تقدمت جهات عديدة وشخصيات عامة بافكار متنوعة حول الوثيقة الدستورية وتم بلورتها في وثيقة واحدة ارتضتها جميع الاطراف بما فيها الحرية والعدالة وتم التوقيع عليها ولم تكن الافكار المقدمة بعيدة عن بعضها البعض.. الروح فيها واحدة ولا اختلافات جذرية في مضمونها.. الوثيقة التي تم استخلاصها تحتوي علي اطار منهجي يحدد القواعد التي يبني عليها الدستور الجديد.. فنحن ننشيء دستورا للمستقبل والاجيال القادمة ولايعقل انشاؤه لخدمة تيار سياسي بذاته.
وثيقة الأزهر رائعة ولاتختلف في محتواها مع الوثيقة الاساسية التي تم استخلاصها من مجموعة الوثائق التي طرحت علي الحوار الوطني في هذا الشأن.. لكنها لاتضع القواعد الاساسية والأطر التي يتعين في ضوئها بناء الدستور كما يغيب عنها معايير اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية للدستور.
لدي بعض التيارات السياسية يقين بأن تعاملك مع الوثيقة اختلف وأصبح يثير الشك عندما توليت المسئولية كنائب لرئيس الوزراء؟
منذ اللحظة الأولي التي ولدت فيها الوثيقة قبل سقوط النظام وبعده وهناك منهج محدد اتعامل وفقه.. لم أحد عنه ولو للحظة واحده.. فكرة الوثيقة خرجت حتي لاتطغي مصالح التيارات السياسية علي المصلحة الوطنية وينشطر المجتمع وتنفسخ أوصاله علي خلفية تلك الصراعات.. قضية الوثيقة أبعد وأعمق مما يردده البعض.. ليست هناك مصلحة أتكيء عليها حتي تتغير وجهة نظري في محتوي الوثيقة وأسعي الي تبديله وتغييره..
لكنك غيرت محتوي الوثيقة عدة مرات ولامك البعض علي ادخال تعديلات بعد الاتفاق علي ما جاء فيها؟
كل ما تم الاتفاق عليه بحضور الجميع وبقناعة منهم لم يتغير قيد أنملة.. نحن نتحدث عن مشروع يتعلق بأخطر ما في المجتمع الدستور الذي يضع القواعد والأسس الحاكمة لبناء كافة المؤسسات.. فكيف يمكن تغيير ما يتم الاتفاق عليه..
لدي التزام أخلاقي لم أتجاوزه في جعل الوثيقة صورة واقعية تري فيها الاحزاب والقوي السياسية والمجتمع بكل فئاته مشارف المستقبل..
الوثيقة أدخل بالفعل عليها تعديلات في المادتين9 و10 المعنيتين بوضع القوات المسلحة في الدستور واعتبره البعض خرقا للمحتوي المتفق عليه؟
عندما أضيفت المادتان9 و10 علي محتوي الوثيقة.. الاضافة لم تكن نابعة بمبادرة شخصية او من أي تيار سياسي وانما جاءت وفق رؤية المجلس العسكري باعتباره قوة اساسية في المجتمع لها الحق في عرض رؤيتها عن وضعها في الدستور ولا أحد يلومه علي ذلك.. المجلس العسكري لم يفرض وجهة نظره في اضافة المادتين وانما عبر عن رغبته في تحديد وضعه وطرحه للنقاش والحوار المجتمعي مع القوي والتيارات السياسية.
قيل إنك جاملت المجلس العسكري ووقفت في صفه تؤيده؟
البعض يزايد وتلك المشكلة التي سادت وسيطرت علي من حاولوا الترويج لها.. المجلس العسكري عندما طرح وجهة نظره عن وضع القوات المسلحة.. طرحها وفق تقديره الخالص.. لكنه لم يفرضها وعندما أطلع عليها بعض القوي السياسية والاحزاب لم يبد منهم أحد امتعاضه وغضبه.. والبعض الآخر اعترض ولم يكن حزب الحرية والعدالة قد اطلع علي المادتين ليبدي موقفه تجاههما وتم الاستجابة بادخال تعديلات جوهرية عليهما وقبلها كثيرون.. المشكلة الاساسية في تلك الأزمة ان البعض لديه رغبة في الهجوم علي المجلس العسكري وليس لديهم الشجاعة الكافية في تحقيق ذلك.. فوجهوا الهجوم إليه في شخصي.
مالا يعلمه البعض ان القوات المسلحة عندما اضافت المادتين(9 و10) في الوثيقة.. لم تكن تضع قواعد جديدة لتحدد عبرها وضعها في البلاد كقوة أساسية.. فقد كان ما وضعته معمولا به من قبل..
لم تستطع اقناع حكومة شرف بتبني الوثيقة الدستورية ونتج عن ذلك ضعف لموقفك؟
أود التأكيد علي حقيقة مفادها أن الحكومة لم يكن لها أدني صلة بموضوع الوثيقة علي اعتبارها مشروعا قوميا يتعين علي المجتمع بأسره السعي لاقراره وإذا كانت الحكومة قد تدخلت في لحظة ما فإن تدخلها جاء لمحاولة لتوفيق الأوضاع وتقريب وجهات النظر والتصدي لعدم توسيع الهوة بين التيارات السياسية وجاهدت في سبيل ذلك قدر المستطاع.. لكنها لم تكن متصدرة للمشهد.. صحيح أنه كان هناك اتفاق كامل بين اعضاء مجلس الوزراء بأهمية وجود هذه الوثيقة باستثناء وزيرين لا أود ذكرهما إحتراما لرؤيتهما.
التيار الأسلامي اعتبر الوثيقة التفافا علي ارادة الشعب الذي حدد المسار في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مارس الماضي؟
أتصور أن ذلك حق يراد به باطل. الاستفتاء كان علي قواعد عامة دون الدخول في تفاصيل وهذا يتطلب إدارة حوار مجتمعي بين القوي السياسية والأحزاب لمناقشة ما يتعين اجراؤه ولا يوجد ما يمنع ذلك.. التيار الاسلامي الوحيد الذي يتصدي لهذا الاتجاه.. لأنه المستفيد الوحيد من وجوده ولعلي لا أذيع سرا بأن التعديلات الدستورية خدمت الاخوان بشكل مطلق وسارت في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم بعيدا عن مراعاة تحقيق التوازن السياسي لتجاوز عقبات المرحلة الراهنة.
تتصور أن لجنة التعديلات الدستورية التي تشكلت برئاسة المستشار طارق البشري دفعت لاغراق الحياة السياسية في غمار تلك الأزمة؟
تصدي المستشار البشري للوثيقة وظل مناهضا لها علي غير هدي ـ كونه اعتمد علي قراءة صماء لها ولم ينظر الي عمق الموقف واساء لي شخصيا والقي في وجهي بتهم.. ما كان يجب عليه القول بها وطرحها علي الرأي وإني أجد فيما طرحه في التعديلات الدستورية بداية الطريق الي الأزمة الراهنة.. فقد قاد المجتمع نحو وضع خاطيء عندما فتح المجال أمام تحديد بداية خريطة الطريق.. هناك مسلمات بديهية تقضي بأن الدستور أولا لكنه أطاح بذلك من الطريق وانحاز الي وضع يفرز في حقيقته مصلحة للتيار الاسلامي.
تتحمل المسئولية في انهيار الحوار السياسي حول الوثيقة الدستورية مع التيار الاسلامي؟
حاولت كثيرا الدفع بالتيار الاسلامي صوب الحوار باعتباره اللغة التي يجب أن تسود بين التيارات السياسية بعد ثورة25 يناير.. دون جدوي فالنية مبيته لرفضه.. لأن الوثيقة علي النحو الذي خرجت عليه باتت تهدد طموحهم السياسي وتكشفت النوايا بأنهم لن يقبلوا بها إلا إذا كانت استرشادية وغير ملزمة لقد أعيتني المحاولات خلال الفترة الأخيرة حتي أقنع قيادات التيار الاسلامي بالجلوس علي مائدة المفاوضات.. لكنهم اغلقوا كل النوافذ واعتبروا ذلك مضيعة للوقت ومجرد تحصيل حاصل.
الأزمة التي فجرتها الوثيقة قادة حكومة شرف نحو الرحيل المفاجئ؟
كلام علي غير الحقيقة.. الحكومة ليس لها أدني علاقة بالأزمة السياسية التي خلفتها الوثيقة علي اعتبار أنها لم تكن الداعم لها.. الحكومة رحلت إثر الأحداث الدامية التي وقعت في شارع محمد محمود والتي يتحمل التيار الاسلامي كامل المسئولية نحو وقوعها.
في تقديرك الوثيقة الدستورية ذهبت إلي المجهول ولن تعود مرة أخري للحوار؟
الوثيقة مطلب قومي ولابد من الوصول إلي اتفاق جاد والعمل بمحتواها علي النحو الذي خرجت عليه ويقيني بأن الأوضاع السياسية لن تستقيم إلا في وجودها إذا كنا نريد بالفعل مجتمعا ديمقراطيا لا يسيطر عليه تيار سياسي بذاته ونعود لنعيش في معاناة الماضي اثناء سيطرة الحزب الوطني علي مقاليد الأمور واطالب كافة التيارات السياسية في المجتمع بالاضطلاع بدورها وتحمل المسئولية في الحفاظ علي مكتسبات ثورة25 يناير تجنبا لصدام وشيك بين التيارات السياسية المناوئة للتيار الاسلامي.الوثيقة باتت مكتملة الملامح وتحظي بتأييد كافة القوي السياسية والأحزاب ما عدا التيار الاسلامي ووضعت تحت تصرف المجلس العسكري وأتصور أنه لا مناص من العمل بها







المصدر: الاهرام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق