بريد السبت يكتبه:أحمد البرى
طلاق في السبعين!
عندما قرأت رسالة الحساب المشترك الأسبوع الماضي وجدتني استرجع ما حدث لي بسبب هذا الحساب اللعين الذي أوصلني إلي ما أنا فيه الآن بعد أن تجاوزت السبعين من عمري.
فلقد كنت اعمل مدرسا, وجاءني عقد عمل بدولة خليجية في سنوات شبابي فأخذت إجازة بدون مرتب وسافرت للعمل هناك, واصطحبت زوجتي معي وعشنا سنوات طويلة يظللنا الحب ويكسونا الاطمئنان والأمان, ومضت حياتنا هادئة, فلم نختلف يوما, ولم يتسلل الينا الشك ابدا في أي امور مادية, وبرغم انني الذي كنت أعمل, وهي ترعي شئون المنزل إلا ان ثقتي التامة فيها جعلتني افتح حسابي باسمينا معا.. وصار حسابا مشتركا وأعطي كل منا للآخر توكيلا رسميا يتصرف بموجبه كيف يشاء في هذا الحساب بالإيداع أو السحب.
وعدنا إلي مصر, ولم تختلف حياتنا عما كانت عليه بالخارج, ومرت السنون وخرجت إلي المعاش وكبر ابناؤنا الثلاثة وتخرجوا في كلياتهم, واتجهوا إلي الزواج وتكوين أسر صغيرة, وسحبنا لهم ما يكفيهم لاتمام زيجاتهم.. وإلي هنا.. لا مشكلات, ولا منغصات.. وفجأة تحولت زوجتي الهادئة الوديعة إلي وحش كاسر يريد أن ينقض علي زوجات الأبناء فيفترسهن, وحاولت تفسير سلوكها معهن بأنه عارض نفسي نتيجة تقدمها في العمر وزحف الشيب إلي جسدها, وإحساسها بأن هيبتها قلت ولم يعد لها وجود مؤثر في حياة أولادها!.. فحاولت أن أخرجها من هذه الدائرة التي ستؤدي بها إلي الهلاك, وقلت لها لماذا لا تكون لك طقوسك الخاصة.. من ممارسة الرياضة والمزاح والجلوس مع الصديقات والأهل, وتحاولين خلق جو نفسي مختلف عما تسيرين فيه فيجعل حياتك مع زوجات أبنائك وأسرهن تمضي في ود وتراحم.
ولم تلق بالا بما أقول ورأت أن تتجه اتجاها آخر بالضغط علي ابنائها وزوجاتهم عن طريق المال فسحبت كل الحساب المشترك بموجب التوكيل الموجود معها وراحت تمنح هذا وتمنع عن ذاك وفقا لدرجة قربه منها, وامتثال زوجته لأوامرها, فاندلعت النيران في الأسرة وتكهرب الجو تماما.. ووجدتني عاجزا عن إرجاعها إلي رشدها, صحيح أن دهشتي وانزعاجي مما فعلته يفوق الوصف, لكني تماسكت تماما ورضيت بمعاشي الكبير مصدرا للدخل واستأجرت شقة متواضعة, والقيت عليها يمين الطلاق وانفصلت عنها وأنا في السبعين من عمري!
إن الحساب المشترك لعنة لا يأمن عواقبها احد رجلا أو امرأة, فليتعظ الجميع من هذه التجارب الأليمة, وليكن لكل واحد حسابه المنفصل.
> دعني أتناول قصتك من النهاية, اذ ما كان ينبغي عليك ابدا ان تطلق زوجتك وأنتما في هذه السن التي تعني للجميع سن الجلال والاحترام, ولكل سن جمالها ولكل مرحلة عمرية مسئولياتها, فكان يكفي زوجتك أن تجمع حولها زوجات أبنائها وتكون لهن أما حانية تحفظ أسرارهن وتوصي أبناءها عليهن.. هكذا تكون الألفة والمودة وتتلاشي الخلافات والضغائن التي تنشأ نتيجة القهر والتسلط.
وكان يجب عليها ايضا وهي التي بلغت من العمر السبعين أن تعي ان الاموال لا تصنع السعادة وان السنوات الطويلة التي قضتها مع زوجها مرت كلها في أمان دون أن يكون للمال فيها أي دور.. فما الجديد الذي طرأ عليها وجعلها تغير تفكيرها بهذا الشكل الحاد وغير الطبيعي.
أما أنت ياسيدي, فقد كان الواجب عليك أن تتمهل قبل الطلاق, فإذا كانت الأموال لا تعني لك شيئا فكان الأحري بك ان تتغاضي عما فعلته زوجتك من سحب لرصيدكما المشترك في البنك ولو لفترة محدودة فربما أعادت التفكير فيما فعلته وتراجعت عن هذا التصرف الخاطئ.
علي أي حال أرجو ان تعيد النظر في مسألة الطلاق, وان تراجع نفسك وتستعين بأولادك لإعادة زوجتك إلي عصمتك واستكمال رحلة الحياة معا.. إلي النهاية.. ويبقي الدرس الذي نتعلمه من هذة المآسي الناتجة عن الحساب المشترك فتكون لكل فرد ذمته المستقلة.
المصدر: الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق