الأحد، 11 مارس 2012

ياسر أيوب يكتب : أربعون يوماً

اليوم.. وبمجرد معرفة أنه الحادى عشر من شهر مارس.. يسهل معرفة أنه مضى أربعون يوماً بالضبط على أحداث استاد بورسعيد فى الأول من شهر فبراير.. أربعون يوماً عاشتها مصر دون كرة قدم حقيقية.. توقف فيها النشاط الرسمى، واستقال رئيس وأعضاء اتحاد كرة القدم، واضطرت أسرة الكرة المصرية لأن تواجه وتعيش صدمة قتل أربعة وسبعين مشجعاً داخل ملعب كرة.. وعلى الرغم من ذلك.. على الرغم من ضخامة الحدث ومساحة الدم وقسوة الألم.. نجحنا كعادتنا فى اختصار كل الكلام حول قضيتين اثنتين فقط.. الأولى تخص العقوبات المناسبة واللازمة سواء على النادى المصرى وجماهيره واستاد بورسعيد، باعتبارهم شركاء ثلاثة فى أقسى وأشرس وأكبر مذبحة كروية فى تاريخ كرة القدم فى العالم كله، وهل يهبط المصرى إلى الدرجة الثانية أم يبقى، لكن يلعب خارج بورسعيد ودون جمهور وكم من الوقت يعيش استاد بورسعيد غير صالح للاستخدام الكروى؟!.. أما القضية الثانية فهى متى تعود مسابقة دورى الكرة وترجع المباريات إلى ملاعبها.. وهل نستكمل المسابقة القديمة أم نستبدلها ببطولة تنشيطية أو نقوم بتغيير شكل كأس مصر لتغدو أشبه ببطولة كأس العالم ومجموعاتها؟!.. وغير هاتين القضيتين.. لم ننشغل بأى شىء آخر.. قضينا الأيام الأربعين الماضية لا نمارس إلا الكلام والصراخ والعويل والتهديد واستعراض القدرات الخاصة والجماعية فى إهانة بعضنا البعض والسخرية من أى أحد وأى فكرة أو كلمة أو صورة.. لم ننتبه إلى أن كل ما جرى.. رغم جروحه وأحزانه وأوجاعه.. كان من الضرورى أن يكون نقطة فاصلة، لتغيير كل ملامح وقواعد وشكل ومنهج مؤسسة كرة القدم فى بلادنا.. فما جرى فى استاد بورسعيد لم يكن الجريمة الأولى فى حياتنا الكروية.. إنما كان فقط الجريمة الأكبر ونقطة النهاية لمشوار طويل قضيناه يوما بعد يوم نشهد ونعيش ونشارك حتى ولو بالصمت العاجز فى ارتكاب جريمة بعد أخرى.. وحين فاجأتنا صدمة الذى جرى وصور الذين ماتوا.. كان من المفترض أن نفيق من غيبوبة كل السنين الطويلة الماضية ونشهد ثورة حقيقية تتغير بها ومعها وبعدها الكرة المصرية.. لكن لم يحدث ذلك.. وغالباً لن يحدث مستقبلا.. لأن الكرة إن لم تتغير بعد قتل سبعة وأربعين مشجعا فى ملعب كرة.. فلن يكون هناك أى حدث آخر يضطرنا أو يستطيع إقناعنا بضرورة التغيير.. وهكذا استسلمنا تماما لهذا الجدل الطويل حول شكل عقوبات «المصرى» ومستقبل المسابقة الحالية لدورى الكرة.. ولم نتوقف لنواجه بمنتهى الشجاعة والحسم هؤلاء الذين يخلطون بين الكرة والوطن فى ظاهرة تعكس الخواء الفكرى والسياسى.. الذين يتركون كل أمور وشؤون حياتهم وواقعهم وأحلام وقضايا مستقبلهم، ليتخذوا من الكرة قضية كرامة ووجود وكبرياء وموت وحياة.. وبعدما تخيلنا أن ثورة الخامس والعشرين من يناير قضت على هذا الفكر البدائى والأسلوب الساذج فى التعايش مع كرة القدم وتضخيم معانيها بمبالغة غير مقبولة أو واقعية.. وأن الحرمان السياسى والعجز عن مواجهة اليأس والإحباط والموات فى السابق كان هو الدافع الوحيد لهذا الخلل الكروى.. فوجئنا من جديد بهذه العقول التى تتحدث معها عن كرة القدم، فتحدثك عن حرب ١٩٥٦.. تناقشهم فى قضية كروية داخل ملعب.. فيصدمونك وقد أحالوا هذا الملعب إلى قضية هوية ومستقبل بيوت إلى حد أن تصبح فانلة ناد كروى أكثر قداسة وضرورة من علم مصر، بل من الجنسية المصرية أو حتى مصر كلها.. أيضاً يفاجئك هؤلاء المشغولون طيلة الأيام الأخيرة بمسابقة الدورى.. سواء الذين يطلبون استمرارها، دفاعا عن حقوق وتعاقدات وأرزاق البسطاء الذين يتكسبون عيشهم داخل صناعة كرة القدم ومبارياتها.. أو الذين يرفضون اللعب، حزناً وخوفاً وعجزاً عن نسيان ما جرى فى استاد بورسعيد.. ولا تجد وسط هؤلاء من يفكر فيما هو أهم.. أى المسابقة نفسها.. وكيف نضمن استقرارها وحيادها وعدالتها.. بل إننا حتى لم نتصارح بأسباب ما جرى، لنضمن عدم تكراره مرة أخرى!



المصدر : المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق