أحمد يشير إلى صورته وهور تلميذ بالمدرسة
بعد ٤٢ سنة وقف «أحمد» أمام صورته فى «متحف شهداء بحر البقر» ليستعيد المفارقات العديدة التى ربطته بمدرسته، فلم يكن فقط أحد الناجين من الغارة، لكنه بعد عشرات السنين شاء له القدر أن يعمل لمدة خمس سنوات سكرتيراً لنفس المدرسة.
يتذكر «أحمد»، الذى كان طالباً فى الصف الثانى هذا اليوم، عندما شاهد اقتراب الطيران الإسرائيلى من شباك فصله، فشعر بأنها غارة غير عادية، ارتجف على إثرها قلبه، وارتعشت يداه، ليسقط منها قلمه الرصاص، وفى لحظة نزوله أسفل مقعده لجلب القلم، ألقى العدو صواريخه على المدرسة، ليجعلها كومة من الحطام، ويشاء القدر أن يشكل مقعده الخشبى ساتراً لحمايته من الخرسانة المنهارة فوق الرؤوس، وإن كانت إصابته لم تسلم من اختراق سيخ حديدى جبهته.
ظل «أحمد» فى غيبوبته داخل مستشفى الحسينية ٢٥ يوماً، وبمجرد إفاقته سأل عن زميل الدراسة والمقعد وابن قريته وجاره الذى يحمل نفس اسمه، فكان الجواب أنه مات، ليتركه رفيق حياته بمفرده، محملاً إياه أمانة فى رسالة ضمنية، هى «الثأر للدم البرىء».
أصر «أحمد» على مصاحبتنا فى جولتنا بمتحف المدرسة، ليقف لعدة دقائق فى صمت أمام صورته المعلقة فى المتحف وهو طفل مصاب راقد فى غيبوبته، والمكتوب أسفل منها «هل شاهد الضمير الأمريكى هذه الصورة؟!». أفاق «أحمد» من غيبوبته، لكن الأطباء أصروا على الإبقاء عليه تحت رعايتهم فى المستشفى لمدة شهرين، وببراءة الطفولة وفى أول يوم لخروجه من المستشفى مر على حطام مدرسته «ما كانش فى إيدى حاجة وقتها غير إنى أدعى عليهم، لأنهم ما مميزوش بين إنسان وحيوان.. مدنى وعسكرى.. طفل وشاب وشيخ كبير.. فكانت جريمتهم متكاملة بجميع الأركان».
وأضاف: «عاش الضحايا وأهلهم طيلة حياتهم بدون معاش أو تعويض، وكأن الدولة اكتفت بقطع القماش والحلوى والألعاب التى تم توزيعها علينا فى المستشفى».
المصدر : المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق