وسمعنا كلمة «شكرا» ثم سقطنا من الذاكرة
■■ أمّا.. قومى اعمليلى ساندويتش.
■ روح بس المدرسة يا «ممدوح» دى جنب البيت.. ولما ترجع ابقى اتغدى مع اخواتك.
■■ لأ، اعملى الساندويتش لأنى مش راجع تانى.
«مش راجع تانى» عبارة تردد صداها فى أذهان الأم قبل أن تنزل على قلبها كصاعقة البرق فى السماء المظلمة، فانتفضت الأم من أمام الفرن الطينى، حيث كانت تعد من خلاله الخبز لأطفالها الخمسة، قبل أن تلتفت فى ذعر للصغير وتضمه إلى صدرها «ليه بتقول كده يا ممدوح».
أصرت الأم «نبيلة على» على توصيل ثانى أبنائها «ممدوح حسنى» فى ذلك اليوم لمدرسته «بحر البقر الابتدائية»: «كنت خايفة جرار يدوسه.. بعد ما قال لى الكلمة دى».
ومع سماع دوى انفجار هرولت الأم - كما تروى - إلى داخل المنزل، الذى يبعد ١٠٠ متر فقط عن المدرسة، وجمعت أولادها، وألقت بهم على الأرض، ثم نامت فوقهم، فى محاولة لاهثة منها لحمايتهم من الموت، مرت الدقائق دون أن تتوقف صواريخ وقنابل العدو عن مهاجمة القرية، حتى كاد يتوقف قلب «نبيلة» عن النبض، خاصة بعد أن رأت شبابيك وأبواب وسقف منزلها الريفى المتواضع تتساقط أمام عينها.
لم يتوقف عويل الصغار من هول الغارة حتى انتهت، فخرجت بعدها الأم على الفور تطمئن على جيرانها لتصطدم بالمفاجأة، التى تنبأ بها قلبها عندما خفق لكلمات الصغير، إنه «ممدوح» عائدا لمنزله، لكنه تلك المرة محمول فوق أذرع اثنين من أهل القرية، جاءا بجثته لأمه بعد أن لقى مصرعه بين عشرات الأطفال الذين سقطوا ضمن ضحايا الغارة على المدرسة.
«ماعرفتش ابنى.. بعد ما نص راسه طارت من القنبلة اللى نزلت عليه، وغرق الدم وجهه وملابسه»، هكذا وصفت الأم مشهد استقبال الشهيد، الذى لم تمحه الأيام ولا السنوات من ذاكرتها، رغم تجاوزها السبعين عاماً.
تروى: «أخذ منى الأهالى الولد، وكفنوه بمعرفتهم، ومنعونى من رؤيته، بعد ما شافوا الحالة اللى وصلت لها، ودفنوه وأعطونى ملابسه المشبعة بالدماء، وهى دى الحاجة الوحيدة اللى فضلت ليا منه، قبل ما ياخدوها لمتحف بحر البقر».
حياة متواضعة عاشتها ومازالت تعيشها الحاجة «نبيلة» داخل قريتها وفى منزلها الريفى المتواضع، المكون من طابق واحد وبعض الغرف ذات السقف الخشبى، وتكسو أرضيتها الأسمنتية حصائر بلاستيك، يعلوها أثاث خشبى متواضع، أبرزه ثلاث أرائك تستقبل عليها «نبيلة» ضيوفها فى «أوضة المسافرين» - كما تصفها. رغم تواضع حياة «نبيلة» فإنها تحرص على متابعة كل ما يدور على أرض وطنها. وأكدت أنها لم تصرف تعويضاً عن طفلها سوى خمسة جنيهات صُرفت بعد وفاته، وإن كانت تعتقد أن هذا المبلغ سيكون بداية لمعاش شهرى تتقاضاه وأسرتها، وسمعنا كلمة «شكراً» مرة واحدة ثم سقطنا من ذاكرة الدولة.
المصدر : المصري اليوم
■■ أمّا.. قومى اعمليلى ساندويتش.
■ روح بس المدرسة يا «ممدوح» دى جنب البيت.. ولما ترجع ابقى اتغدى مع اخواتك.
■■ لأ، اعملى الساندويتش لأنى مش راجع تانى.
«مش راجع تانى» عبارة تردد صداها فى أذهان الأم قبل أن تنزل على قلبها كصاعقة البرق فى السماء المظلمة، فانتفضت الأم من أمام الفرن الطينى، حيث كانت تعد من خلاله الخبز لأطفالها الخمسة، قبل أن تلتفت فى ذعر للصغير وتضمه إلى صدرها «ليه بتقول كده يا ممدوح».
أصرت الأم «نبيلة على» على توصيل ثانى أبنائها «ممدوح حسنى» فى ذلك اليوم لمدرسته «بحر البقر الابتدائية»: «كنت خايفة جرار يدوسه.. بعد ما قال لى الكلمة دى».
ومع سماع دوى انفجار هرولت الأم - كما تروى - إلى داخل المنزل، الذى يبعد ١٠٠ متر فقط عن المدرسة، وجمعت أولادها، وألقت بهم على الأرض، ثم نامت فوقهم، فى محاولة لاهثة منها لحمايتهم من الموت، مرت الدقائق دون أن تتوقف صواريخ وقنابل العدو عن مهاجمة القرية، حتى كاد يتوقف قلب «نبيلة» عن النبض، خاصة بعد أن رأت شبابيك وأبواب وسقف منزلها الريفى المتواضع تتساقط أمام عينها.
لم يتوقف عويل الصغار من هول الغارة حتى انتهت، فخرجت بعدها الأم على الفور تطمئن على جيرانها لتصطدم بالمفاجأة، التى تنبأ بها قلبها عندما خفق لكلمات الصغير، إنه «ممدوح» عائدا لمنزله، لكنه تلك المرة محمول فوق أذرع اثنين من أهل القرية، جاءا بجثته لأمه بعد أن لقى مصرعه بين عشرات الأطفال الذين سقطوا ضمن ضحايا الغارة على المدرسة.
«ماعرفتش ابنى.. بعد ما نص راسه طارت من القنبلة اللى نزلت عليه، وغرق الدم وجهه وملابسه»، هكذا وصفت الأم مشهد استقبال الشهيد، الذى لم تمحه الأيام ولا السنوات من ذاكرتها، رغم تجاوزها السبعين عاماً.
تروى: «أخذ منى الأهالى الولد، وكفنوه بمعرفتهم، ومنعونى من رؤيته، بعد ما شافوا الحالة اللى وصلت لها، ودفنوه وأعطونى ملابسه المشبعة بالدماء، وهى دى الحاجة الوحيدة اللى فضلت ليا منه، قبل ما ياخدوها لمتحف بحر البقر».
حياة متواضعة عاشتها ومازالت تعيشها الحاجة «نبيلة» داخل قريتها وفى منزلها الريفى المتواضع، المكون من طابق واحد وبعض الغرف ذات السقف الخشبى، وتكسو أرضيتها الأسمنتية حصائر بلاستيك، يعلوها أثاث خشبى متواضع، أبرزه ثلاث أرائك تستقبل عليها «نبيلة» ضيوفها فى «أوضة المسافرين» - كما تصفها. رغم تواضع حياة «نبيلة» فإنها تحرص على متابعة كل ما يدور على أرض وطنها. وأكدت أنها لم تصرف تعويضاً عن طفلها سوى خمسة جنيهات صُرفت بعد وفاته، وإن كانت تعتقد أن هذا المبلغ سيكون بداية لمعاش شهرى تتقاضاه وأسرتها، وسمعنا كلمة «شكراً» مرة واحدة ثم سقطنا من ذاكرة الدولة.
المصدر : المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق