أى عاقل يتمتع بشىء من الإدراك والوعى، يعرف تمام المعرفة أن مسألة عودة الإخوان للحكم أصبحت مستحيلة، وأن مسألة العودة لما قبل 30 يونيه صارت أسطورة لا يؤمن بها أحد، وذلك لأنه إذا ما فرضنا أن الإخوان عادوا إلى الحكم مرة أخرى، فلن يجدوا من يحكموه، فالأغلبية الغالبة من الشعب المصرى عبرت عن إرادتها الحرة فى عزل من وصفتهم بـ"العصابة" عن طريق المليونيات والاعتصامات والعصيان المدنى الذى لم تشهد له مصر مثيلا على طول تاريخها، كما أن مؤسسات الدولة الكبرى أعلنت عن عدم توافقها مع الإخوان وحاكمهم بالإضراب تارة وإظهار العداء تارة أخرى، فلا القضاء يعترف بمرسى ولا الداخلية ولا الشرطة ولا الأزهر ولا الكنيسة ولا الجيش ولا حتى أطفال المدارس الذين تفتح وعيهم على الهتاف الشهير "يسقط يسقط حكم المرشد"، لكن برغم كل هذا يطنطن الإخوان دائما بأنه لا حل إلا برجوع مرسى والعودة إلى دستور الإخوان ومجلس شوراهم، فلماذا إذن يرفضون الحلول السلمية للمصالحة، ولماذا يستمرون فى اعتصامهم الذى صار مذموما ومكروها من الأغلبية الغالبة من المصريين، هنا نحاول أن نجيب على هذا السؤال:• الإبقاء على التوتر السياسى أطول فترة ممكنة لهدم الاقتصاد وإفشال الثورة تعرف الجماعة جيدًا أن الشعب المصرى تنفس الصعداء، حينما انزاح كابوس حكم الإخوان عن مصر، وكان لهذا الحدث التاريخى أكبر الأثر فى نفوس المصريين الحالمين بوطن حر متقدم، والدليل على هذا تسابق المصريين فى التبرع لصالح مصر فى جميع الحسابات البنكية المخصصة لهذا الغرض، فقد عمرت الحسابات البنكية التى تم الإعلان عنها لصالح الثورة تحت رقم 306 306 بمئات الملايين، بينما لم يتبرع أحد للحساب الذى سبق وأعلن عنه مرسى لنفس الغرض، وهذا يعتبر مؤشرا كبيرا لمقدار الحماسة التى انتابت المصريين الحالمين بتقدم بلدهم، ما يعد إيذانا ببدء اقتصاد وطنى كبير اعتمادا على أبناء مصر الحالمين بمستقبل واعد، جاذب للاستثمارات المصرية والأجنبية التى هربت من الاستبداد الإخوانى، ولم تكن الجماعة لتسمح بأن تتقدم مصر وينمو اقتصادها من بعدهم، لأن ذلك الأمر سيدعم فكرة فشلهم فى إدارة الدولة، فقررت أن توقف هذه الروح المصرية الجبارة بإشاعة الفوضى وإرهاب المستثمرين.
• الامتثال إلى أوامر التنظيم الدولى وضمان عدم محاكمة قادة الجماعة يعرف التنظيم الدولى للإخوان فى العالم أن فشل الإخوان فى حكم مصر، يعنى فشلهم الحتمى فى حكم أية دولة يتولون أمرها، أو يطمعون فى الاستيلاء عليها، وبما أن الرضا بالحلول السلمية للمصالحة يتضمن الاعتراف بفشل الإخوان فى الحكم، فإن التنظيم الدولى للإخوان قد قرر التصعيد حتى الرمق الأخير، ولذلك ترى أعضاء التنظيم الدولى فى العالم يسعون بكل ما أوتوا من قوة لمحاربة الشعب المصرى فى كل الجهات، حتى إنهم أيقظوا خلاياهم النائمة التى كانت تدعى عدم الانتماء للجماعة، أو على الأقل، الانفصال والاستقلال عنها، والدليل على هذا مجاهرة الشيخ يوسف القرضاوى بمحاربة ثورة مصر، ودعوته لمن سماهم جموع المجاهدين حول العالم بمحاربة جيش مصر وشعبها، وكذلك الحال مع الناشطة اليمنية توكل كرمان التى تبرأت من انتمائها للإخوان قبل حصولها على جائزة نوبل، ثم سخرت نفسها لتخوض حروب الجماعة فى مصر، معلنة تحديها لإرادة الشعب، وكذلك فعلت أحزاب الإخوان فى اليمن وتركيا وتونس وألمانيا، وغيرها من الدول العربية والأوربية والآسيوية، ولأن الجماعة قد أحرقت كل أوراقها المخفية، ولأنها أظهرت ما كان خفيا من ترتيباتها صار قادة الجماعة متورطين فى العديد من الجرائم التى قد تدخلهم السجون مدى الحياة، وقد توصلهم إلى حبل المشنقة، ولهذا فقد قرروا أن يذهبوا فى تحدى الشعب المصرى إلى أبعد مدى.
• عدم خذلان المشروع الأمريكى بشرق أوسط يحكمه إسلاميون فى بيت الطاعةبات الجميع يعلم تمام العلم أن المشروع الإخوانى لحكم مصر لم يكن إلا حلقة فى سلسلة المشروع الأمريكى الإخوانى للسيطرة على الشرق الأوسط، وقد بدأت حلقات هذا المشروع فى التجلى حينما مكنت أمريكا الإخوان من حكم مصر واليمن وتونس وليبيا وفلسطين، لكن يشاء الله أن ينتهى هذا المشروع على يد الشعب المصرى فى 30 يونيه، وهو الأمر الذى أفزع كلا من الإخوان وأمريكا على حد سواء، وهدد النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط، كما هدد فى ذات الوقت حكام أمريكا فى بلادهم، فمن المعروف أن أمريكا لا تتمسك بالطغاة، حينما تكون قد أعدت طاغية جديدًا تحت ولائها، ومعروف أيضا أن شعور الشعب بالاستقلال وسعيه نحوه هو أكبر ما يهدد المشاريع الأمريكية، ولهذا السبب صار الإخوان يقاتلون من أجل الحصول على أية مكاسب سياسية تحفظ لهم ماء وجههم أمام أمريكا التى راهنت عليهم.• عدم خسارة مصالحهم والتغطية على فشلهم السياسى أثناء الحكملأن المصالح الإخوانية لا تنتهى، ولأن هذه المصالح تنامت وتضاعفت حينما حكمت الجماعة مصر فى العام الماضى، فقد ارتبط أعضاء تنظيم الإخوان بالعديد من الارتباطات السياسية والاقتصادية التى ستخسرها الجماعة فورا إن اعترفت بهزيمتها أمام الشعب المصرى، وقد كانت الجماعة على ارتباط وثيق بالعديد من رجال الأعمال المصريين والأجانب أثناء حكمهم، معشمين إياهم بالعديد من المصالح، وخسارة هذه المصالح يعنى مضاعفة الخسارة، لأن هذا سيثبت للعالم أنهم فشلوا أثناء حكمهم، وأنهم لم يكونوا على قدر المسئولية، ولم يستطيعوا أن يحافظوا على تعهداتهم، ولذلك يجتهد الإخوان فى إطالة فترة الاضطرابات حتى ينسى الناس السبب الأساسى لعزلهم سياسيا وشعبيا، ألا وهو الفشل فى كل شىء، حتى فى إقامة المشروع الإسلامى الذى نصبوا أنفسهم قائمين عليه.• التعتيم على الانشقاقات الداخلية والتغطية يستثمر قادة الجماعة حالة الاضطراب الخارجى لكى يخفوا اضطرابا أكثر فتكا بهم، ألا وهو الاضطراب الداخلى، خاصة بعد أن تعالت أصوات شباب الجماعة المنددة بحكم القادة للجماعة بعدما تأكد للجميع فساد عقل هؤلاء القادة، وفساد تقديرهم للأمور، ولهذا يستغل قادة الجماعة حالة التوتر الخارجى ويستمرؤونها حتى لا يثور شباب الجماعة عليهم، لأنهم على علم تام بأنه فور انتهاء هذا التوتر سينقلب عليهم الشباب، فالعديد من شباب الجماعة غير راضين عن حكم القادة، لكنهم غير قادرين على الإفصاح عن هذا الرأى، خشية اتهامهم بأنهم يشقون الصف أو يدعمون أعداء الجماعة، لكن هذا الوضع سيتغير بالتأكيد إذا ما تغيرت الظروف، واستقرت الأوضاع، وهو الأمر الذى يفزع هؤلاء القادة.• العودة لتمثيل دور الضحية يتقن الإخوان العيش فى دور الضحية، كما يتقون تزييف الحقائق والوقائع بالشكل الذى يجعل منهم ضحية، فى حين أنهم هم الجناة، فالجماعة لا تعتمد على شىء قدر اعتمادها على التعاطف الشعبى. ولا تستغل شيئا بقدر استغلالها للمشاعر الدينية والإنسانية، ومن ينظر إلى أدبيات الجماعة وتاريخها الذى يلقنونه إلى أتباعهم يعرف تمام المعرفة أنهم يصيغون وقائع معاقبة قادة الجماعة المجرمين باعتبارها مؤامرة على الإسلام والجماعة، فقد صوروا سيد قطب باعتباره شهيدًا فى سبيل الدعوة، برغم أنه كان زعيم التنظيم السرى المسلح للجماعة، وكان يخطط لتدمير البنية التحتية للدولة، كما صوروا فترات سجنهم باعتبارها اعتقالا، وهو الأمر المنافى للواقع والتاريخ، لكنهم كعادتهم يقلبون الحقائق ليستدروا عطف الناس، غير مدركين أن الشعب المصرى صار أوعى من أن يتلاعبوا بمشاعره.• الخوف من خوض الانتخابات لمعرفتهم أنهم "معزولون شعبيا"نفس السبب الذى جعل مرسى يرفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة هو ذاته السبب فى أن ترفض الجماعة جميع الحلول السلمية للمصالحة الوطنية، وهو الخوف من مواجهة الحقيقة الدامغة التى تؤكد أن الجماعة صارت معزولة شعبيا، وأن أعضاءها صاروا مكروهين من الناس منبوذين فى مجتمعاتهم، وتضاعفت هذه الكراهية بعد ارتكاب الإخوان العديد من المجازر بحق الشعب المصرى فى جميع محافظات الجمهورية وأحيائها، ولذلك يخشى الإخوان من مواجهة الأمر الواقع وفض اعتصاماتهم، لأن كل واحد فيهم يعلم تمام العلم أنه لن يستطيع العودة إلى حياته الطبيعية قبل 30 يونيه.
المصدر اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق