في أعالي جبال لبنان (شرق بيروت) شكل منزل عثماني عتيق فسحة أمل لفنانين سوريين أرغمتهم الحرب في بلدهم على التوقف عن ممارسة نشاطهم الفني بعدما ضاقت عليهم المساحة وزاد الخناق، فمنازلهم قصفت ومراسمهم نهبت.
وقعت عينا المهندسة السورية رغد مارديني (صاحبة الفكرة) على الإسطبل (مكان تربى فيه الأحصنة) الملحق بالمنزل العثماني المتهالك والمتآكل جراء الصواريخ التي أصابته في الحرب الأهلية في لبنان (في العام 1975) فما كان منها إلا أن أعادت ترميمه ليتحول إلى مكان إقامة لفنانين سوريين.
حافظت مارديني على الطراز العثماني الغالب على المنزل الذي استأجرته من مالكه اللبناني، وأعادت الحياة له من جديد بطريقة عصرية كما أعطت الأهمية الكبرى للحديقة إذ اعتنت بأشجارها وأقامت جلسة عصرية في وسطها وفي آخرها مشغل صغير يمكن للفنانين ممارسة أعمالهم بداخله.
وعن الفكرة تقول مارديني: "بعد توقف العشرات من الفنانين السوريين عن ممارسة أعمالهم بسبب ارتفاع حدة الخناق الحاصل في سوريا، وجدت ضرورة مساعدة هؤلاء ليستطيعوا إكمال مسيرتهم الفنية فاستوحيت الفكرة من جمال المنزل العتيق".
فكرة مشروع الإقامة جاءت -بحسب مارديني - مع بداية الثورة في سوريا في مارس 2011، وبعد هجرة الفنانين من بلدهم وتوجههم نحو لبنان فمنهم من بات يعيش في منزل صغير يتشاركه مع عائلته ومنهم من توجه نحو مهن أخرى، ما أثر سلبا على إبداعاتهم الفنية، لذا وجدت أنها فرصة لتقدّم لهم مساحة تعلقهم بخيط أمل يستطيعون من خلاله متابعة أعمالهم.
يفسح المنزل المجال أمام الفنانين السوريين الإقامة لمدة شهر مع تأمين لهم جميع احتياجاتهم مع مبلغ مالي يقدم لهم أسبوعيا إضافة إلى فسحة من الحرية تشعرهم بالأمان ليعاودوا ممارسة أعمالهم، وبعد مرور 4 أسابيع يقدم كل فنان عملاً خاصًا به حضّره خلال فترة إقامته ويهديه للدار وبعدها يغادر المكان.
وتقول مارديني: "في الـ12 شهرًا الماضية استقبلنا 24 فناناً بشكل ثنائي فتبادلوا الخبرة وقدموا الدعم لبعضهم البعض، ما خلق أجواء سورية خاصة في موقع جغرافي مختلف".
وبحسب مارديني فقد نفذ حتى الآن في الدار 160 عملا لفنانين سوريين شباب خلال إقامتهم.
"حسكو حسكو" من الفنانين الذين وجدوا في الدار ملاذا آمنا له ولعائلته المكونة من زوجته وأطفاله الثلاث.
وبينما كان حسكو يرسم لوحته في آخر الحديقة كان أطفاله الثلاث يلعبون ويلهون أمامه إذ إن وسائل الترفيه مؤمنة للجميع في هذا الدار الذي جعل صغاره يتمنون أن يبقوا فيه إلى الأبد بحسب ما قالوه لمراسلة الأناضول.
تجربة الإقامة في الدار يرويها حسكو لمراسلة الأناضول مع حسرة خلفتها الظروف السورية التي أرغمته على ترك منزله قائلا: "التجرية في هذا الدار أعطتني دافعًا من جديد بعدما كانت تحركاتنا مقيدة في سوريا تماماً كالسجن لا يمكننا الخروج ولا التجول في الطرقات".
وأضاف: "يمكن اكتشاف ما أحدثته الإقامة في هذا الدار من خلال الأعمال الفنية التي بات يطغى عليها الألوان بعدما كانت على وشك الاختفاء بفضل الحالة النفسية المتعبة والمشاعر المكبوتة المزروعة بداخلي، أما اليوم فكل شيء جميل يخرج من داخلي دون استئذان".
المصدر الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق