الخميس، 15 ديسمبر 2011

الإنجاز و الاحترافية و البناء و التميزبـ "مهرجان دبى السينمائى الدولى"


















































كثيرة هى المهرجانات التى تقام فى عالمنا العربى، ولكن القليل منها هو الذى يتعامل بقدر كبير من الاحترافية، ويحرص على أن يحقق نجاحا تراكميا، ويضيف كل عام إلى تاريخه، ولا تختلف الروح التى يعمل بها القائمون على مهرجان دبى السينمائى، عن تلك الروح التى تبنى بها البلد أو دولة الإمارات والتى تحتفل بعيدها الوطنى الأربعين حاليا، فهى نفس الرغبة فى البناء والإنجاز، لذلك لا نستطيع أن نفصل بين التطورات والقفزات التى تحققها دبى كإمارة وحكومة، وبين النجاح والرسوخ الذى يحققه مهرجان دبى السينمائى عاما بعد عام، فالمهرجان الذى كان يعانى من ضائقة مالية، انعكست عليه لفترة أثناء الأزمة المالية العالمية،استطاع وبقوة أن يستعيد نفسه ويضيف الكثير من الإنجازات، حيث يصل حجم الرعاة فى هذه الدورة إلى حوالى 50 شركة ومؤسسة من كبريات الشركات العاملة فى مجالات مختلفة، وأيضا رغم أن مهرجان دبى السينمائى يقام فى أواخر العام، وموسم أعياد الكريسماس ورأس السنة، وهو وقت يصعب فيه الحصول على إنتاجات سينمائية جديدة ومتميزة وهذا يصعب على إداراته الحصول على أفلام متميزة،وجديدة أو أفلام عروض أولى ـ وهى الحجة التى دائما ما كان القائمون على مهرجان القاهرة يلقونها فى وجهنا ـ إلا أن إدارة مهرجان دبى متمثلة فى رئيسه عبد الحميد جمعه والمدير الفنى للمهرجان مسعود أمر الله ومسئولى البرامج المختلفة بالمهرجان، نجحوا فى هذا التحدى، إلا أن المهرجان نجح فى الحصول على عدد من الأفلام الجديدة الجيدة، التى لم تعرض بعد على المستوى العالمى أو العربى يصل عددها إلى 46 فيلما، و25 فيلما تعرض للمرة الأولى عالميا ومن هذه الأفلام "مهمة مستحيلة بروتوكول الشبح" و"الأحفاد" لجورج كلونى وهو الفيلم المرشح لأكثر من جائزة فى مسابقة الأوسكار، وفيلم الختام "أسبوعى مع مارلين مونرو"، والفيلم المصرى واحد صحيح فى عرضه الأول ونجح مهرجان دبى فى عرض 171 فيلما من 56 دولة شاركت فى المسابقات المختلفة بالمهرجان، ومنها مسابقة المهر العربى والأسيوى والأفرو أسيوى والمهر الإماراتى عرضت جميعها المهرجان طوال تسعة أيام هى مدة إقامته.

"أسبوعى مع مارلين مونرو" يختتم المهرجان فى أول عرض عالمى

تختتم مساء اليوم، الأربعاء، فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان دبى السينمائى الدولى، حيث توزع الجوائز على الفائزين فى المسابقات والتظاهرات المختلفة، بمسرح مدينة الجميرا، وبعد ذلك يبدأ عرض فيلم الختام "أسبوعى مع مارلين"، للمخرج "سيمون كرتس"، وتدور أحداثه حول أسبوع شهر العسل الذى قضته النجمة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو مع زوجها الكاتب آرثر ميلر، وتبدأ أحداث الفيلم فى عام 1965، وهى المرة الأولى التى كانت مارلين تزور فيها بريطانيا، وكانت تقوم فى نفس الوقت بتصوير فيلمها "فتاة الاستعراض" مع أسطورة التمثيل البريطانى سير لورانس أوليفيه، ويروى الفيلم ذكريات تلك الفترة من خلال "كولن كلارك، والذى كان يبلغ من العمر وقتها 23 عاما، وكان يعمل مساعدا للإنتاج، حيث يستعيد ذكرياته وتجاربه خلال أشهر التصوير الستة، كما يكشف كلارك لماذا جعل هذا الأمر سرا طوال كل هذه السنوات.

واختار مهرجان دبى هذا الفيلم ليعرض عرضه العالمى الأول، فى ختام المهرجان، نظرا لطبيعة موضوعه وما تمثله مارلين مونرو فى خيال الكثيرين، حيث لا تزال واحدة من أساطير السينما فى العالم رغم سنوات رحيلها.

السينما المصرية فى مأزق "ما بعد الثورة"
• واحد صحيح يفاجئ الجمهور غير المصرى بأنه لا يتطرق إلى "التحرير".. و"مولود فى 25 يناير" يحاول إحداث التوازن الثورى

يبدو لى أن السينما المصرية وتحديدا الروائية أصبحت تعانى مأزقا حقيقيا فى المهرجانات، فهناك حالة شغف حقيقية من المتابعين لرؤية التطورات التى شهدتها السينما بعد ثورة25 يناير، فالكثيرون يدخلون إلى الأفلام المصرية من هذا المنطلق وهم راغبون حقا فى معرفة تأثير تلك الثورة وانعكاسها على حياة المصريين فنيا وثقافيا، وهى رغبة قد تظلم الكثير من الإنتاجات الروائية المصرية، والتى كان يتم تصوير بعضها قبل الثورة، ثم أعيد استكمالها بعد استقرار الأوضاع نسبيا، كما أن الكثيرين لا يتخيلون أن عجلة الإنتاج توقفت لفترة، وأن إنتاج أفلام روائية عن هذا الحدث يحتاج إلى وقت، خصوصا أنه مازال متفاعلا، لذلك جاءت صدمة البعض عند عرض الفيلم المصرى "واحد صحيح"، والذى جاء بعيدا كل البعد عن ما واقع فى المجتمع المصرى، والتحولات التى يشهدها.

وفى فيلم "واحد صحيح" يعود المؤلف تامر حبيب إلى تيمته المفضلة، وهى العلاقات الإنسانية وتحديدا العلاقة الملتبسة والمشاعر المتناقضة بين الرجل والمرأة، وتحديدا فى أجواء طبقة الأغنياء، وتبدأ أحداث الفيلم مع الشخصية المحورية عبدالله (هانى سلامة)، الذى يعمل مهندس ديكور ناجحا وهو أيضا، شخصية عامة محط إعجاب كثر حوله، خصوصاً من النساء، فعبد الله يبحث عن المرأة المكتملة والتى تشبع روحه وجسده معا، لذلك يتورط فى علاقات كثيرة، خصوصا بعد فشل قصة حبه مع أميرة زميلته فى الجامعة "تجسدها كندا علوش"، وهى كل النساء فى امرأة واحدة، الضائعة منه منذ أكثر من خمس سنوات والتى يصادفها فى السينما، لكنها مسيحية وهو مسلم، وهى امرأة ملتزمة بدينها، رغم أن والدها هجر أمها وتزوج امرأة مسلمة، وهى التى اختارت له اسم (عبدالله) حين أسلم، إنها حب حياته المستحيل. ولذلك تقرر الابتعاد عنه لأن بداخلها يقين إنها علاقة لا تجوز شرعا ولديها طوال الوقت إحساس بالذنب. ورغم أنها تعلم فى قرارة نفسها أن عبدالله هو حب حياتها، وهناك أيضا الدكتورة فريدة تجسدها رانيا يوسف والى تجمعها بعبد الله علاقة حسية متناغمة لدرجة أنه يسميها على الموبايل ""miss perfect إنها امرأة الشهوات والجنس، وبالتالى فإن حلاوة الحب تؤخذ فى ليلة واحدة كما فى أغنية وردة الجزائرية، والتى تتردد فى شريط الصوت وعبد الله يقول إنه لم يعش مثل هذه الأحاسيس من قبل، وفى نفس الوقت فريدة متزوجة من رجل الأعمال إياد يجسده زكى فطين عبد الوهاب، والذى يملك ميولا مثلية وهناك تواطؤ ضمنى بينهما هو يخونها مع الرجال وهى تبحث لنفسها عن علاقات تشبعها، وهناك أيضا المذيعة مريم "ياسمين الريس" التى لنا أن نصفها بالزوجة المثالية التى تحظى بمساندة أم عبد الله، لكن عبد الله لا يستطيع أن يحبها رغم أنه يعرف أنها امرأة مثالية، مريم تشارك زميلها كريم فى العمل كل مشاعرها تجاه عبدالله أما المرأة الرابعة فى حياة عبدالله التى نحسبها صديقة فقط (بسمة) وهى التى يروى لها عبدالله كل شىء، وهى فى الوقت نفسه زوجة أعز أصدقائه "عمرو يوسف" وشريكه فى العمل والحياة، ولكننا أيضا نكتشف أن علاقتيهما ملتبسة، ورغم البناء الجيد لكل شخصية ودوافعها، ومنطق الشخصيات فى أحداث الفيلم، وتميز أداء الممثلين، وتحديدا كندا علوش، ورانيا يوسف والتى فلتت منها الشخصية فى لحظات قليلة، تحديدا المشاهد التى كانت تجمعها بأسرتها المتواضعة، أما هانى سلامة فقد تغلب إلى حد كبير على تيمة أن الشخصية سبق وقدم مثلها فى فيلم السلم والثعبان، حيث بلغ أداؤه درجة من النضج، ونجح هادى الباجورى فى أولى تجاربه السينمائية أن يقدم فيلما متماسكا إلى حد ما، بعيدا عن الموسيقى التصويرية الصاخبة، ويبدو لى أن انحسار الفيلم فى شريحة اجتماعية محددة وهى طبقة الأثرياء، يجعله بعيدا ولا يتماس كثيرا مع باقى الشرائح مثلما فعل فيلم سهر الليالى، ولكن سيصنع واحدا صحيحا عند عرضه فى مصر الكثير من الجدل ولن يلتفت الكثيرون إلى السيناريو والبناء الدرامى، الذى كان من الممكن أن يكون أكثر رقة وتأثيرا، بل سيتعاملون مع الفيلم بمنطق أخلاقى، لأنه يكسر الكثير من التابوهات، فهناك رجل شاذ وامرأة تخون زوجها، ومسيحى غير ديانته من أجل الحب، ومسيحية تقع فى غرام مسلم، رغم أنها تتركه وتنتصر لدينها، هذا المأزق الأهم والذى يحاصر "واحد صحيح" عند عرضه فى مصر.

وفى مجال السينما التسجيلية والتى بات يقع على عاتقها تقديم مصر الاخرى فى المهرجانات، عرض فيلم المخرج أحمد راشوان "مولود فى 25 يناير" اختار رشوان بناء سرديا مختلفا لفيلمه وكان هو بشخصه جزءا فاعلا ويقوم بطرح الأسئلة فى الفيلم، وكأن الفيلم سيرة ذاتية عن تجربة المخرج مع الثورة، حيث بدأ المخرج برصد العديد من المظاهر التى شكلت مقدمات لثورة 25 يناير، من خلال لقطات أرشيفية لعناوين الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية، والتى حملت عناوين تدين الظلم، وتزوير الانتخابات وفساد الحياة السياسية، ولقطات أخرى من تظاهرات واحتجاجات حركة كفاية والتى شكلت حجرا حرك المياه الراكدة فى السياسة المصرية، وهو ما جعل بناء الفيلم مختلفا عن أفلام أخرى تناولت الحدث وتشابهت بداياتها فى اختيار لقطات من تظاهرات 25 يناير، واعتمد رشوان إلى حد كبير على التعليق الصوتى "بصوته " ليرصد ويطرح تساؤلاته وتخوفاته، وشعوره بأن مظاهرات 25 يناير لن تختلف عن سابقاتها وسيقوم الأمن بفضها، لذلك اختار هو فى هذا اليوم أن يتحول إلى مناضل الكترونى على حد وصفه، وكنت أتمنى أن ينوع رشوان فى وجهات النظر دون الاعتماد على تواجده هو فقط رغم انه كانت أمامه فرصة التسجيل مع العديدين.

كما أن فيلم مولود فى 25 يناير والذى أهداه مخرجه إلى روح الشهيدين مينا دانيال وأحمد بسيونى، والذى جاءت نهايته راصده لحجم التخوفات التى أصبحت تحكمنا وإصرار البعض على مدنية الدولة، فى مقابل صعود الإسلاميين والتساؤل حول المجلس العسكرى ودوره، حيث إن فيلم مولود فى 25 يناير قد يكون هو الفيلم الوحيد حتى الآن الذى رصد بعضا من تداعيات ما بعد التنحى والمليونيات التى أقيمت بعد ذلك، وكنت أتمنى أن يكثف رشوان من المشاهد الأولى لمظاهرات 25 يناير وجمعة الغضب وما فى التحرير فى الأيام التى تلت جمعة الغضب والمشاهد التى أعاد تصويرها لنفسه فى منزله لصالح ما وصلنا إليه الآن وتخوفاتنا وتساؤلاتنا حول مصر وإلى أين تصير الأمور، إلا أن فيلم رشوان ورغم الاختلاف فى الرؤية حول بعض التفاصيل وشكل البناء السردى يظل واحدا من الأفلام الجيدة والمختلفة عن الأحداث التى تمر بها مصر ويحمل مجهودا وذكاء فى اختيار الكثير من لقطاته والمواد الأرشيفية.. ومجهودا حقيقا فى المونتاج للمونتيرة نادية حسن وهذا يبدو واضحا فى الفيلم.


















المصدر : اليوم السابع











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق