وبرغم هذه التحديات, بدأت الحياة تدب من جديد في شرايين هذه
الصناعة, لا سيما أن مصر حققت اكتفاء ذاتيا فيها منذ عام1990 حتي عام2006(
تاريخ ظهور انفلونزا الطيور),
وبحسب أرقام شعبة صناعة الدواجن واللحوم في اتحاد الصناعات: بلغ حجم الاستثمارات في إنتاج الدواجن خلال عام2011 الماضي25 مليار جنيه, ومن المنتظر أن تزيد خمسة مليارات أخري في عام2012, كما تجاوز الإنتاج900 مليون دجاجة في العام الماضي, لكن الإنتاج مهدد في الربع الأول من العام الحالي بالتناقص الشديد بسبب عدم التصدي للأمراض الوبائية خاصة الالتهاب الرئوي, بعد أن فقدنا120 مليون طائر في العام الماضي بسببها, وأصبح الإنتاج اليومي مليون طائر بعد أن تجاوز المليونين خلال الدورات السابقة.
ويفاقم من الوضع شدة برودة الجو في المزارع حاليا, وقلة عوامل التدفئة, وتراجع الأمن, والتدابير الوقائية خاصة أن بعض المزارع غير مهيأة للتعامل مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة, مع استمرار أزمة أسطوانات البوتاجاز التي تعتبر الوسيلة الأكثر شيوعا في تدفئتها.
والأمر هكذا; ينادي خبراء ومسئولون لانتشال صناعة الدواجن من وهدتها, خاصة أنه يعمل بها نحو مليوني مواطن, وتقوم أكثر من ستة ملايين أسرة(7% من سكان مصر) في ظلها بتربية300 مليون طائر, بحسب أرقام منظمة فاو.
والأمل معقود حاليا علي نهوض هذه الصناعة, وتحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم البيضاء, وتشغيل مئات الآلاف من العاطلين, وتصدير الفائض إلي أوروبا ودول المنطقة التي تتعطش للدواجن المصرية, مع الحذر من أخطر تحد يواجهها, وهو الأمراض الوبائية, ومنها العترة الإسرائيلية, خاصة أن نقابه الأطباء البيطريين حذرت قبل أيام من ظهور سلالتين جديدتين من فيروس انفلونزا الطيورH9 والالتهاب الشعبي المعدي, مما أدي إلي تدمير العديد من المزارع.
حكاية العترة الإسرائيلية
في البداية, يوضح الدكتور أسامة سليم رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للخدمات البيطرية أن فيروس الالتهاب الشعبي الذي يصيب الدجاج, ويسمي العترة الإسرائيلية, تم اكتشافه في مصر للمرة الأولي في أواخر عام2010 في تسع محافظات, وقد تم عزله, مشيرا إلي أنه ظهر أيضا في السعودية, وتركيا, وسوريا, وغيرها. ويضيف أنه سمي بــالعترة الإسرائيلية لأن كل مرض ينسب إلي موطنه, ومثلا من الأمراض التي تهدد الدواجن حاليا مرض نيوكاسل, وهو منسوب للمدينة الإنجليزية المشهورة.
وتتفق الدكتورة سهير حسن عبدالقادر رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائي بالهيئة العامة للخدمات البيطرية مع التوصيف السابق مؤكدة أن المراكز البحثية الوطنية اكتشفت وجود العترة الإسرائيلية, وهو مرض تنفسي شديد الخطورة, في الدواجن المصرية منذ عام2010, وأن المشكلة الأكبر التي تهدد الثروة الداجنة بمصر الآن هي مجموعة الأمراض المتوطنة التي تحورت, وأخذت أشكالا جديدة.
والأمر هكذا, قامت الإدارة بأخذ عينات من مائتي مزرعة علي مستوي الجمهورية, فتبين إصابة58% من دواجن46 مزرعة في ست محافظات بالمرض الإسرائيلي المتحور! ليس هذا فقط بل تشير الدكتورة سهير إلي أن هناك نسبة من اللقاحات الحية التي تأتي مهربة من إسرائيل والأردن وبلدان أخري إلي مصر; لذا تناشد أصحاب المزارع أن يستعينوا باللقاحات التي دخلت البلاد بطريقة مشروعة, مع استشارة أطباء الهيئة ومديريات الطب البيطري في كل محافظة حرصا علي استخدام لقاح آمن.
كتاكيت من إسرائيل
علاوة علي اللقاحات المهربة يكشف الدكتور نشأت فؤاد مدير المبيعات والخدمات الفنية بإحدي شركات الدواجن عن أن العشوائية أدت ببعض المنتجين إلي استيراد كتاكيت من إسرائيل نتيجة نقص الإنتاج, وكانت مصابة بـ العترة الإسرائيلية!
وهذا الأمر يؤكده الخبير الدكتور أحمد عبدالكريم إذ يؤكد أنه تم استيراد بيض وكتاكيت من إسرائيل بكميات ضخمة جدا في الفترة السابقة دون أي ورق أو رقابة. ويقول: رأيته بنفسي, وعرض علي شخصيا, والكتاكيت مش عارفين فيها إيه, والالتهاب الشعبي المعدي( الآي بي) موجود بشكل أساسي في إسرئيل, لذلك يطالب بوقف استيراد الكتاكيت.
ومن وجهة نظره, يري الدكتور حسين علي حسين أستاذ ورئيس قسم الفيروسات بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة أن ما لدينا هو فيروس شبيه بالفيروس الإسرائيلي( العترة الإسرائيلية2), وذلك بعد أن تعرض للتحور, مشددا علي أن لدينا أمراضا محلية في الدواجن لا تقل عنه خطورة.
ويوافقه الرأي الدكتور محمد الشافعي نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن مؤكدا أن الالتهاب الشعبي تحور, وأخذ شكلا قريبا من العترة الإسرائيلية, وبينما تمكن الإسرائيليون من عزله, وعمل لقاح له, نحتاج في مصر إلي أن ننتج لقاحا له.. سواء في الداخل أو في الخارج.
.. ولقاحات إسرائيلية
هذا عن الفيروس.. ماذا عن تهريب اللقاحات الإسرائيلية إلي البلاد؟
يجيب الدكتور طه عبد القادر المدرس بمعهد بحوث التناسليات الحيوانية في مركز البحوث الزراعية بقوله: ربما جاءت اللقاحات الإسرائيلية المهربة علي يد مستوردين أو مربين لا ينظرون إلا لمصالحهم الشخصية, إذ ربما رأوا تقدما زراعيا في الكيان الإسرائيلي لذا لجأ بعضهم إلي تهريب أو إدخال لقاحات إسرائيلية لمزرعته, مستغلا ضعف الحالة الأمنية; وغياب الرقابة, ولانستبعد أن تتسبب هذه اللقاحات في أضرار بالغة للدواجن.
لقاح مصري جديد
والأمر هكذا: ما الحل؟ وكيف يمكن النهوض بصناعة الدواجن المصرية؟
ينتقد الدكتور أسامة سليم عشوائية المربين في استخدام اللقاحات, داعيا إلي الاعتماد علي الصناعة المحلية في مقاومة الأمراض والسلالات التي يتم عزلها, وهو ما قامت به الهيئة, كما يقول; بالتعاون مع المركز القومي للبحوث. ويضيف: أخذنا العترة الخاصة بإنفلونزا الطيور, وبالتعاون مع معهد اللقاح, وأحد مصانع التحصينات, سوف يتم إنتاج أول لقاح مصري بنسبة مائة بالمائة لمقاومة أنفلونزا الطيور; وسيتم طرحه في مارس المقبل.
يتراوح إنتاج مصر بين سبعمائة وثمانمائة مليون دجاجة سنويا قبل عام2006( عام الإصابة بانفلونزا الطيور), في حين يطاول المليار دجاجة عام..2011 الكلام للدكتور أسامة سليم. ويشدد علي أهمية إرجاع الثقة بين المربين والحكومة; لأن المربي مازال يتعامل بعدائية مع طبيب الهيئة, ويكسر له سيارته, أو يعتدي عليه, متصورا أنه جاء لإعدام الدجاج.
بروتوكولات الاستيراد
لكن أين دور هيئة الخدمات البيطرية في مواجهة فوضي اللقاحات بالسوق المحلية؟ وأين فحوصها للقاحات الموجودة للتأكد من صلاحيتها ؟
التساؤل للدكتور محمد الشافعي نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن. ويضيف: علي الحكومة والهيئة إعادة النظر في بروتوكولات استيراد اللقاحات, وإجراء الفحوص اللازمة عليها بمعاملنا الوطنية قبل التصريح بتداولها.
ويتابع: منذ عام2006, ونحن كمنتجين تعاني دواجننا من إنفلونزا الطيور, ونخسر الملايين, وحتي الآن لم يتم الخروج من الأزمة.. فماذا فعلوا في الهيئة لمواجهتها ؟ لذا يشدد علي أن استيراد اللقاحات يجب أن يقتصر علي الهيئة, لأنه بخلاف ذلك ستستمر فوضي اللقاحات, واللقاح إذا لم يواجه المرض فسيتسبب في أمراض جديدة. ويضيف: فقدنا في عام2011 ما بين20% و30% من إنتاج الدواجن بسبب الأمراض التي أصابتها, علما بأننا إذا تحكمنا في هذه الأمراض ستتقدم صناعة الدواجن بمصر.
ويتفق معه الدكتور طه عبدالقادر. ويقول: سوق اللقاحات تعاني من الخلل, فبعض الشركات يستورد لقاحات من الخارج, والأمر صار سداح..مداح.
تشريع برلماني
نعاني أيضا من نقص الأمان الحيوي في غالبية المزارع, وعدم صلاحية كثير من العنابر لتربيتها, وكذلك عدم توافر المجازر الكافية بمحتلف المحافظات, فضلا عن المشكلات المرضية كأنفلونزا الطيور.
الكلام للدكتور حسين علي حسين الذي يعتبر صناعة الدواجن في مصر واعدة. ويقول: نحن متميزون فيها, لكن المطلوب إعادة هيكلتها نحو الكيانات الكبري, وربط المربين الصغار في كيانات أكبر, وإبعاد المزارع عن الكتل السكنية; لاسيما في الدلتا, مع التعويض عن الطيور النافقة, والوقوف بجانب صغار المربين, والفصل بين الطيور التجارية والمنزلية. ولابد أيضا من حل مشكلة عشوائية عنابر الدواجن- كما يقول- داعيا إلي سن تشريع من مجلس الشعب بإلزام المزارع بتطبيق برامج الأمان الحيوي, وإخضاعها لإشراف هيئة الخدمات البيطرية, خاصة أن نحو65% من المزارع تفتقر لمقومات العمل, وأن هناك12 ألف طبيب بيطري ينتظر إعطاءه الصلاحيات الكافية.
عام الأمان الحيوي
هذه الدعوة يؤيدها الخبير الدوائي الدكتور حامد البنا, ويطالب بحملة كبيرة لنشر الأمان الحيوي في مزارع مصر لعام2012, مع عمل ندوات لتوعية المربين في المحافظات بأهمية هذ الأمان في مزارعهم.
ويضيف: كنا في عام2005 نصدر20% من إنتاج الدواجن, وكان معدل استهلاك الفرد بين12 و15 دجاجة في السنة, لكن اجتاحت متغيرات عدة هذه الصناعة مما أدي إلي تدهورها, وإلحاق خسائر باهظة بالمنتجين خاصة خلال العامين الأخيرين, برغم أن الدواجن أمن غذائي للمصريين, وصمام للأمن القومي. ومتفقا معه; يحذر الدكتور نشأت فؤاد من أن طبق البيض ارتفع سعره بسبب قلة الإنتاج, وكذلك سعر كيلو الدجاج, وأننا إذا لم ننتج ما يكفينا سنضطر للاستيراد, مشيرا إلي أن شركات الدواجن تخسر حاليا, وإذا استمرت خسارتها ستقلص أعمالها, إذ تخسر من أول يناير45 مليون جنيه في عام2012 بسبب البرد, والأمراض.
وفي رأي الدكتور سامي طه نقيب الأطباء البيطريين يمكن لصناعة الدواجن المصرية أن تخرج مليوني طائر تسمين, و20 مليون بيضة كل صباح, ولكن كيف نبدأ؟
استراتيجية لإخراج الدواجن من العشوائية
مؤتمر إنتاج وتربية الدواجن في مصر بين العشوائية والاستراتيجية, الذي عقد السبت الماضي, وحضرته تحقيقات الأهرام; طالب بتوحيد برامج التحصين في المنطقة الجغرافية الواحدة, وتشكيل لجنة عليا لوضع استراتيجيات لصناعة الدواجن بمصر, وتطوير أداء الأطباء البيطريين, وإحكام الرقابة البيطرية علي منافذ توزيع اللقاحات, وتنشيط دور المعامل الإقليمية. ودعا المؤتمر- الذي شارك فيه لفيف من المعنيين بصناعة الدواجن- إلي إعطاء مزيد من العناية للتربية المنزلية للدواجن, وتوعية المربين بأسس الأمان الحيوي, واتباع الإجراءات الوقائية, والطرق الصحيحة للتحصين., وطالب الحضور بإصدار تشريعات لحماية صناعة الدواجن عن طريق إلزام المزارع بالتراخيص, ووجود طريقة واضحة للتخلص من النافق منها بوجود محرقة أو غرفة دفن, وعمل قاعدة دقيقة للبيانات بعدد المزارع في مصر.
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق