الجمعة، 6 أبريل 2012

د‏.‏ ثروت بدوي يكشف أسرار دستور‏1971!‏ مصر تحتاج شخصية تاريخية مثل محمد علي أو غاندى



الفقيه الدستوري د‏.‏ثروت بدوي من نجباء مصر الذين أنبتتهم هذه الأرض الطيبة‏,‏ التي جادت بكل النوابغ في شتي مناحي الحياة‏..‏ فهو ابن عصر عظيم صنعه رجال عظماء‏.

مندوبة الأهرام خلال حوارها مع د ثروت بدوى
أجيال درست العلم بحماسة ونشوة لا تفتران أبدا.. د.ثروت الحجة في القانون والفقه الدستوري معلم الأجيال الذي تسكنه دائما روح ثورية تأبي الجمود وتتماشي مع العصر بمالا يخل بالقواعد الثابتة ـ يضم بين جنبات شخصيته العديد من الآفاق الرحبة علميا واجتماعيا وإنسانيا, فهو دائما حاضر الذهن.. سريع البديهة.. لا تحده مذهبية فكرية. نتعلم من سرده ما هو أعمق من وصف الأحداث.. نتعلم أن طريقتنا في التعامل مع الأخطاء تكون أحيانا أكبر من الخطأ نفسه.. اعتاد ألا يسترضي الحساسيات السياسية أو السلطان, ولم يخش في الحق لومة لائم, فلم يعقل لسانه عن حق يوضحه أو باطل يدحضه أو حكمة ينشرها.. لم يعبأ يوما بنصيحة شكسبير: اصلح كلامك قليلا وإلا فقدت حظك لكنه دوما لا يعرف حلول منتصف الطريق.. ميزان العدالة شغله الشاغل..يخشي علي الأغلبية من إيمان العوام الذين أراحهم الله من التفكير, يري أن التشخيص يجب أن يسبق العلاج وأن الثورات تحتاج دائما إلي محراث يقلب التربة رأسا علي عقب ليكسبها خصوبتها.
والآن.. والدستور المنتظر مازال في رحم الغيب في هذه اللحظة التاريخية الفارقة.. نستدعي الروح التي سادت في العهود الماضية وفترات العصف التي مر بها, فتزعزع الإيمان بأهميته وأصبح مدادا علي الورق فقط..تبدل الحال ومصر كلها الآن تشرئب أعناقها وتقف علي أطرافها.. تستمع بإطراق وتأمل للمناقشات التي تحيط بأجواء صدوره وتتخيل الديباجة الافتتاحية للقانون الأعلي للبلاد, والذي من المفترض أن يصبح فوق الرقاب والعباد..تتطلع مصر لدستور يؤثر المعني علي نسيج اللفظ ويأخذ حذره في الصياغة من أن بعض ألوان الديمقراطية ماهي إلا تغيير في الأساليب الاستبدادية كما يقول علماء السياسة.. وحتي لا يصبح الدستور مرة أخري كشجرة تجردت من أوراقها, نتطلع إلي أن تكون مصر فوق الجميع بسمو دستوري ينتصر علي كل هذه المتناقضات وينبثق منه الكمال والضمانات التي ننشدها جميعا من حريات وتحديد الحقوق والواجبات, دون إغفال ما تجيش به صدور المصريين من غايات ومثل عليا وقيم وعادات اتسم بها هذا الشعب وكانت دائما دستوره في كل العصور.
تنتمي لعائلة قدمت لمصر أسماء لامعة في مجالات عديدة, وإلي جانب النبوغ تتسمون بالصراحة المفرطة.. فهل هذا مبعثه الثراء المادي أم أنها صفة وراثية ؟
يجيب د. ثروت علي الفور: طبعا طبعا فنحن بالفعل أسرة ميسورة الحال, ولذلك دخل كبير في المجاهرة بالآراء وتصويب الأخطاء.. فتلك قيم نشأنا عليها لكن عن نفسي أضيف أن المكانة العلمية والقانونية التي وصلت إليها لها دخل كبير.. فالثقة بالنفس ـ عن حق ـ تجعل الإنسان قويا للغاية بالرغم من ذلك فأنا عشت حياة بسيطة محورها العلم.
في حياة كل منا قوة دافعة وقوة مانعة.. فكيف توازنت طفولتك بين القوتين ؟
يبتسم د. ثروت ويسترسل قائلا: فعلا لابد من التطرق للماضي.. لأنه مرتبط بالحاضر.. وما الماضي إلا مستقبل فات وما المستقبل إلا ماض آت.. فأنا من مواليد1928 وترتيبي الابن رقم(13) بين(14) شقيقا وشقيقة ورقم(20) إذا أضفنا الأخوة غير الأشقاء وهم سبعة.. والدي كان عمدة شرباص لمدة55 عاما, وجدي كان عمدة أيضا وأخي أيضا.. وحدث أنني كنت أسير ذات يوم مع بعض أطفال أسرتي وأنا في السادسة من عمري علي ضفاف النيل وأمامنا علي الضفة الأخري قرية ميت أبو غالب.. فقال البعض إنها أفضل من شرباص لأن بها قدرا أكبر من المتعلمين, فغضبت وقلت نحن متعلمون أيضا لدينا مهندسان من أخوتي هما: عبد المنعم وصدقي ولدينا قانونيون ولدينا أطباء, فسألوا من هم: فقلت أخي عبد الحميد عشر سنوات وأنا في السادسة من عمري.. وهكذا اختمرت الفكرة في ذهني, وعلمت العائلة كلها أنني أنتوي الالتحاق بالطب مستقبلا والتحقت بالقسم العلمي وحصلت علي الثانوية العامة من المدرسة السعيدية بالجيزة وكانت المعضلة أنني لا أطيق علوم النبات والحيوان, وذاكرتي ضعيفة جدا بالنسبة للأسماء.. لكنها حادة بالنسبة للأفكار وهكذا التحقت بكلية الطب لأنني أعطيت( كلمة) وأنا صغير ولا يصح أن أرجع فيها.. ولكن الأمور لم تسر بهذا الالتزام الأدبي وظلت ميولي للدراسات الإنسانية متأججة بداخلي.. في الوقت الذي يزداد رفضي فيه لعلوم النبات والحيوان وقررت عدم دخول الامتحان وكنت أعيش في الجيزة آنذاك تحت رعاية أخي د. عبد الرحمن بدوي وكنا قافلة من الدارسين تتكون من أشقائي عبد الحميد وصدقي وعبد الجليل وأبن أختي طاهر الحديدي وكلنا كنا شبه محبوسين في6 ش همدان, وكان د. عبد الرحمن يشبهنا بالدجاج الذي يسعي للخروج من عشه والإنطلاق إذا واتته الفرصة وكنا نفعل ذلك بمجرد أن يخرج هو من باب المنزل.. كنا نهابه للغاية ولم يكن يحاورنا.. بل أنه تجاهلنا تماما وكان يستهجن أننا نأخذ مسألة المذاكرة بصورة مظهرية أمامه فقط وحين علم والدي أنني قررت عدم دخول الامتحان جاء إلي القاهرة وحاول إثنائي عما قررت, وكان شخصية قوية لكنه كان رصينا هادئا قال بحنو: أنا كنت أعتبرك أفضل أبنائي ودائما تستطيع الحصول علي المركز الأول والثاني في الدراسة بأقل مجهود.. فلابد أن تكمل دراستك وأعطاني مبلغا من المال.. وباختصار ضاع عامين من عمري وأنا لا أعلم ما الذي يجب أن أقرره.. فأشقائي الكبار د. عبد الرحمن ووهبة وعبد المنعم اقتنعوا بأنني لا أرغب في استكمال تعليمي وفقدوا الأمل في ذلك.. وبدأت أنا شخصيا أقتنع بأنني من الممكن أن أعود إلي شرباص وأصبح فلاحا.. وحين أدرك عبد الرحمن مدي الحالة التي وصلت لها تحرك وأرسلني لمقابلة د. عبد المنعم الشرقاوي أستاذ الحقوق بجامعة فاروق الأول الإسكندرية وكانت تلك أول مفارقة كبري في حياتي.. فمسألة دراسة القانون لم تكن واردة في البداية وفي الإسكندرية عشت حياة حرة طليقة بعيدة عن أي قيود.
كيف نبغت إذن في الحقوق, وهل مناخ الحرية التي كنت تنشدها علي المستوي الشخصي كان له أثر في تفوقك ؟
التحقت بكلية الحقوق أثناء فترة وزارة صدقي عام1945-1946 وكانت المظاهرات ملمحا سياسيا لتلك الوزارة, خاصة أثناء مباحثات صدقي بيفن, كانت الإسكندرية جميلة جدا وكنت قد نسيت الدراسة لمدة عامين.. وتعرفت علي مجموعة من الأصدقاء أشهرهم عبد اللطيف الناحل وكان يكبرنا بسنوات ولديه فيلا أشبه بدوار العمدة نجتمع فيها يوميا.. وكان طلبة الكلية منغمسين في العمل الوطني شأن معظم طلاب مصر, وتأجلت الدراسة بسبب الأحداث ولم يتبق أمامي إلا ثمانية أيام قبل الامتحان فبذلت أقصي جهدي ونجحت والحمد لله بتقدير جيد.. في العام الثاني.. استيقظت في صباح شتوي بارد لأجد نفسي فاقدا للحركة تماما فقد أصبت بروماتيزم في كل جسدي.. ومكثت في الفراش شهورا.. وقبل الامتحان أيضا بأيام بدأت أتعافي وحضرت المحاضرات لمدة أسبوع فقط وحصلت علي تقدير جيد جدا.. وأنا لدي قدرة علي حفظ المحاضرة بمجرد الاستماع لها وتذكرت مقالا كنت قد قرأته في مجلة ريدرز دايجست التي كانت تختصر العلوم والمقال يشرح كيفية تنمية المعلومات من خلال القراءة السريعة وقد اتبعت هذه الطريقة طوال حياتي فالقراءة السريعة تساعد علي التركيز ودائما أنصح بها طلابي إضافة لوضع خط في كل صفحة تحت أهم سطر يحمل المضمون.. هذا أفضل كثيرا من الملخصات.. المهم أنني عدت إلي الجيزة مرة أخري لألتحق بجامعة فؤاد الأول بعد انقضاء السنة الثانية. وتصادف أن شقيقي د. عبد الرحمن سافر للتدريس في لبنان فأصبحت أنا في موضع( الكبير) بالنسبة لأقاربي الأصغر سنا وحصلت علي الليسانس بتقدير جيد جدا وكان ترتيبي الثالث علي دفعة.1949
د. عبد الرحمن بدوي الذي قال عنه طه حسين: أنه أول فيلسوف مصري كان يبدو متجهما في وجه الحياة, فهل كان يعتقد بقول أبسن الرجل القوي هو الرجل الوحيد؟
شقيقي د. عبد الرحمن بدوي كان يكبرني بإحدي عشر عاما وكانت له طبائع خاصة.. ومن بداية حياته قرر ألا يتزوج ليتفرغ لأبحاثه ودراسته بالرغم من إلحاح والدي عليه للزواج كانت مدام زوزو زوجة أخي عبد المنعم وحماة عمرو موسي تداعبه من حين لآخر بقصة الزواج ويجاريها أحيانا.. لكنه لم يكن جادا في هذا الأمر.. كانت لديه عاطفة وطنية جياشة وفي حياته قصة إعجاب متبادل بفتاة لبنانية ربما لم يرتق لمرحلة الحب.. كان يمتلك ذاكرة فولاذية قلما تتكرر ورثها عن والدي فكان يجيد سبع لغات بلغت ذاكرته درجة غير عادية أذهلتني حين جاءني ذات يوم وأنا استذكر دروسي في غرفتي عام1947 فوجد قاموس لاروس الفرنسي علي مكتبي فقال لي: أنا حافظ هذا القاموس كلمة.. كلمة.. فسألته في شئ متخصص جدا فإذا به يذكره أمامي وظلت ذاكرته جلية حتي آخر حياته وقبل وفاته بشهرين أثناء إقامته في معهد ناصر كنت أجلس بجواره وأقرأ مقالا لأنيس منصور في الأهرام وقلت له إن أنيس كتب اليوم شيئا عجيبا جدا يخالف ما يعرفه عموم الناس ومن المؤكد أنه خطأ.. فقال لي: بل هو صواب بالفعل وموجود في سورة كذا بالقرآن.. فأحضرت المصحف وفتحت السورة فإذا به يذكر الآية التي استند إليها أنيس منصور في مقاله بالرغم من مرضه الشديد.. كانت حياته منضبطة للغاية أوفده طه حسين في بعثة صيفية إلي ألمانيا عام1937 وبعدما تخرج عام1938 وبدأ يكتب كتبه الشهيرة عن نيتشه وشبنجلر وشوبنهور.. قامت الحرب العالمية الثانية فامتنع عن السفر من1939 حتي1945, وبدءا من نهاية الحرب كان يسافر إلي أوروبا بانتظام ويلف علي المكتبات وله مكان مخصص في المكتبة القومية بباريس وساعات محددة لحضوره وانصرافه ومواعيد مقابلاته مع تلاميذه في الحي اللاتيني وأذكر أنني دهشت حين وجدت قاعة مخصصة لمؤلفاته في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة عام1962.. كان أشهر الأشقاء ولكن أخي عبد المنعم كان ضابطا مهندسا وهو الذي أسس صناعة الحديد والصلب في مصر وشقيقي الأكبر المستشار وهبة.. كان من مؤسسي مجلس الدولة عام1946 وكان له دور بارز في التصدي للهجوم الذي تعرض له السنهوري باشا وكان قريبا من محمد نجيب وعبد الناصر وعلي ماهر.
كيف كانت علاقتك بالسنهوري وهل عاصرت واقعة الاعتداء عليه وما أسبابها الحقيقية؟
تم تعييني بعد التخرج مباشرة في مجلس الدولة عام1949 ورشحني د.السنهوري أنا وزميلي طعيمة الجرف للبعثة حيث كان رئيسا للجنة البعثات وتقرر سفرنا إلي باريس لاستكمال دراستنا حيث حصلت علي الدكتوراه من جامعة باريس عام1954 والحمد لله حصلت رسالتي علي الجائزة الأولي لأحسن رسائل الدكتوراه في فرنسا عام1954 وتقدير المركز القومي للبحوث العلمية, وطبعت علي نفقة جامعة باريس بالرغم من أنني هدمت فيها نظرية أستاذي الفرنسي والمشرف علي الرسالة فيديل والبروفيسور الكبير فالين ودي لوبادير لكنهم سعدوا جدا بالنتائج التي توصلت إليها وأوصوا بنظرياتي وأفكاري في العقود الإدارية والتوازن المالي بين المتعاقدين.. أما واقعة الاعتداء علي السنهوري فقد حدثت وأنا في باريس حين اقتحم مجموعة من البلطجية مكتبه في مجلس الدولة واعتدوا عليه بالضرب بإيعاز من بعض الضباط الأحرار لأنه صرح برأي قانوني لم يعجبهم.. فذهبت بعد عودتي بصحبة شقيقي وهبة لزيارته في الإسكندرية ولم يكن يقابل أحدا في ذلك الوقت ولكنه نظرا لزمالته لشقيقي وعلمه بموقفه الشجاع وتصديه للجمعية العمومية بأكملها ورفضه تعيين السيد علي السيد رئيسا لمجلس الدولة بدلا من السنهوري وغضبه من عبد الناصر وقاطعه بعد هذه الواقعة مباشرة.. المهم قابلنا السنهوري وكان سعيدا جدا بتفوقي في البعثة فمن أسعد اللحظات في حياة أي أستاذ حين يشاهد تلاميذه يرتقون درجات العلم بتفوق واقتدار.. وظل حريصا حتي آخر حياته علي إهدائي كتبه الجديدة التي يصدرها.
هذا ينقلنا لانطباعك عن عبد الناصر خاصة أنك كنت عضوا منتدبا في مكتبه الفني حينما كان رئيسا للوزراء ؟
عبد الناصر يمتلك ميزات عديدة ولكن فكرة الزعامة الطاغية كانت مهيمنة علي شخصيته إلي حد كبير, ورد الفعل لديه دائما أقوي من الفعل.. ففي عام1960 حضرت المؤتمر العام للاتحاد القومي بجامعة القاهرة وفي وجود السوريين.. تحدثت أمامه منتقدا سياسته الاقتصادية, وأوضحت أنها لا تتوافق مع توجهات الأمة العربية وأن هناك بعض الشائعات عن التأميمات.. فغضب عبد الناصر وأنكر فكرة التأميمات.. لكنه نفذها بعدها بعام في يوليو1961 ثم وقع الانفصال.
قابلت كيسنجر عام1961 وصرح بأنه فهم الكثير من جوانب مشكلة الشرق الأوسط من خلال حديثه معك فما هي كواليس هذا اللقاء ولماذا يعد شخصية استثنائية في تاريخ الخارجية الأمريكية؟
كيسنجر كان أستاذا آنذاك بجامعة هارفارد ويعقد مؤتمر سنويا في الجامعة يحضره حوالي40 شخصا من جميع أنحاء العالم, يتم ترشيحهم بتوصية من شخصيتين.. وكنت محط اهتمامه لأنه علم أنني مرشح من قبل مدير مكتب عبد الناصر, أي أنني قادم من قلب العملية السياسية, وكان جون كيندي في جعبته اقتراح بعمل نفق يصل ما بين غزة والضفة الغربية وربما كان ذلك سببا في اغتياله.. لأنه كان راغبا بالفعل في حل المشكلة الفلسطينية وكان كيسنجر ماهرا للغاية شأن معظم الأمريكيين في الحصول علي المعلومات وقد صرح لي تلميذي النابغة الذي ليس له مثيل د.إبراهيم شحاتة رحمه الله أن كيسنجر مهتما للغاية بحضوري والاستماع لآرائي فيما يتعلق بشخصيته, فاعتقد أن الدعاية اليهودية أعطته أكبر من حجمه.. فالجالية اليهودية كانت وراءه وربما لأنه أيضا أول من تكلم عن العالم النووي.
كنت عضوا في لجنة صياغة دستور1971.. فما هي أبرز العراقيل التي اصطدمت بها كفقيه دستوري وما هي أبرز عيوبه ؟
أعتقد أن اختياري وكيلا للجنة الثالثة لصياغة الدستور جاء بترشيح من عبد السلام الزيات وكان مقربا من السادات, وكانت لجان الدستور ثلاث إضافة إلي لجنة الاقتراحات, وقد تصديت في البداية للورقة التي قدمها د. فتحي سرور عضو اللجنة الأولي آنذاك وتتضمن مادتين عن نظام المدعي الاشتراكي.. فثرت وهاجمت النصوص وقلت أن سلطاته بهذا الشكل ستفوق سلطات رئيس الجمهورية وهاجمت فتحي سرور قائلا: ليس كل من درس في الجامعة يعمل أي شيء!! وانحازت الأغلبية لموقفي ورفضنا نظام المدعي الاشتراكي بهذا الشكل وتكرر الأمر عند عرض فكرة القضاء الشعبي الذي رفضناه أيضا رفضا قاطعا.. ثم جاءت نصوص المحكمة الدستورية وكنت اتصدي للاعتراض وتصويب الأخطاء بصدر مفتوح لأن السادات أطلق لنا الحرية نفعل ما نراه صالحا وصدر لنا هذا الشعور.. واعترضت أيضا علي نصوص المحكمة الدستورية وكان موقفي أن رقابتها يجب أن تكون مقصورة علي القوانين أما اللوائح فينظر فيها مجلس الدولة.. ويتم النظر فيها إذا كان الطعن فيها مخالفة الدستور واقترحت اللجنة الأولي نظاما برلمانيا ولكن السادات كان ممثلا بارعا ضرب بعرض الحائط كل المناقشات الدستورية والقانونية وصدر دستور1971 بنظام ليس برلمانيا ولا رئيسا ولكنه ديكتاتوريا حيث تم تسييح السلطات ووضع نفسه رئاسيا لها.. ومازالت ذاكرتي تحمل لقطة للسادات وأعضاء مجلس الأمة وهم يرقصون علي شاشات التليفزيون ابتهاجا بعدول عبد الناصر عن التنحي عام1967!!
هل تعتقد أن هناك من كان يشي له بمثل هذه الأمور الفقهية المتخصصة ولماذا تم تعديل اسم مجلس الأمة ليصبح مجلس الشعب؟
في معظم الدول كما تذكر كلاسيكيات كتب القانون توجد حكومة ظاهرة وحكومة خفية, والأخيرة يكون لها دور هام جدا في رئاسة الجمهورية والقوي السياسية المتعددة وغالبا ما ترتبط بعلاقات وثيقة بأمريكا.. وكل الثورات العربية تكون أمريكا ضالعة فيها ببعض الأمور حتي كتابة الدستور واستدل علي كلامي مما حدث معي عندما استدعتني إريتريا بعد استقلالها للمشاركة في وضع دستورها فذهبت بدعوة من وزارة الخارجية.. وفوجئت بأن الأمريكان قاموا بعمل كل شيء وتجاهلوني تماما وتجاهلوا الأغلبية المسلمة.. وتركوني حتي إنهم لم يوصلوني إلي المطار, فيما يتعلق بتسمية مجلس الشعب.. فالقصة التي لا تعرفها أجيال عديدة أننا بعد الاستفتاء علي دستور1971 بأسبوع قام السادات بعمل اتحاد مع ليبيا وتم تكوين مجلس أمة مشترك من الجانب المصري والليبي لذلك حينما اجتمع بعد ذلك بمجلس الأمة المصري قال لهم في خطابه.. علي فكرة أنتم أصبح اسمكم مجلس الشعب وتغير اسم مجلس الأمة بكلمة منه حتي يكون مغايرا لمجلس الأمة الاتحادي.
كنت مستشارا قانونيا بالاتحاد الاشتراكي وقريبا من السلطة وتنتقدها بعنف في عهد السادات.. فهل ساءت العلاقة بينكما؟
أجاب د.ثروت علي الفور ساءت حتي بلغت منتهاها, وكان ذلك عام1975 أثناء انعقاد المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي, في جامعة القاهرة, حيث كان د.رفعت المحجوب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي وكان حاضرا وعهد إلي أيضا في تلك الآونة برئاسة لجنة الضمانات لانتخابات الإتحاد الإشتراكي وأثناء انعقاد المؤتمر طلب الشيخ الباقوري, رحمه الله, الكلمة وإذا به يطالب بأن يكون الرئيس السادات رئيسا لمصر مدي الحياة.. وتمادي في تبرير ذلك فانفعلت وكانت يجلس بجواري د. محمد حامد محمود وزير الإدارة المحلية الأسبق فسألني عن السبب فأخبرته وطلبت الكلمة وأردفت له قائلا: هذا الرجل يهدم كل ما فعلناه ثم خطفت الميكروفون وأنا في القاعة فحدث هرج خفيف وانقض علي محمد حامد محمود ويوسف مكادي ومحافظ الجيزة وخطفوا مني الميكروفون وردا علي موقفي قام ممدوح سالم وسيد مرعي والوزراء يهتفون مدي الحياة ياريس!! مدي الحياة.. وكانت مشكلتي أنني صدقت أن فكرة الانتخابات التي أشرفت عليها بنزاهة في الفيوم والغربية.. غاية تنشدها القيادة السياسية ولكن د. رفعت المحجوب كان بطلا وفي قمة الذكاء وعلي الفور ارتجل من وحي ضميره والموقف الذي أمامه الآتي: جاءني الآن طلبات من25 عضوا بإحالة هذا الموضوع إلي لجنة قانون دستورية لأنه يثير هموما دستورية لا نستطيع البت فيها الآن دون دراسة وأنهي الموضوع بصورة مباغتة وصادمة وبدأ الضرب تحت الحزام إزاء رفعت بالرغم من أنه لم يكمل شهرين في هذا المنصب وزاد الطين بله حين تصدي للرد علي أحد أعضاء اللجنة المركزية حول تضخم ثروات القطط السمان فرد عليه المحجوب: نحن نذبحها قبل أن تصبح بقرات سمان وتم عزله فيما يتعلق بي فقد قال السادات عني لرفعت المحجوب:
الواد ده مبيفهمش في السياسة ولازم يرجع الجامعة مش عاوزينه وكان هذا آخر عهدي بالسادات.
قبل عامين قلت إن مصير مبارك وابنه سيكون مثل السادات إذا غضبت عليهما أمريكا.. فكيف كانت علاقتك بمبارك خاصة أنك منحتني صورة لك معه وقلت أنها تشرفك.. لماذا؟ فالجميع يعزف عن نشر صورة معه؟
بداية. بدأت علاقتي معه عام1984 بمناسبة وضع حجر اساس لمجلس الدولة وذهبنا إلي جامعة القاهرة بعد الافتتاح لاستكمال الحديث بناء علي طلبه وتم استدعاء حسن حمدي رئيس جامعة القاهرة ومصطفي كمال حلمي وتطرق النقاش لموضوع محدد.. فقال د. رفعت المحجوب د. ثروت بدوي أفضل من يحدثنا عن هذا الموضوع.. فقال مبارك بشوق وهو ينظر لي: أنت فين من زمان يادكتور ثروت وطال الحديث وفوجئت به يأتي ناحيتي في القاعة وعبارة صورة تشرفني لأنه كان يستمع إلي آرائي باهتمام بالغ واستكملنا الحديث وأوصلته حتي باب سيارته وكان لطيفا ومهذبا للغاية وفي عام1986 أخبرني د. المحجوب أن مبارك يريد رؤيتي في منزله فذهبت إليه وسألني في أشياء محددة وترك لي وقتا كافيا للتفكير وكان بشوشا هادئا حتي إنه أوصلني واستمر الحديث حتي باب السيارة. في المرة الثالثة.. طلبت أنا مقابلته بعد ذلك بعام وكنت رئيسا للهيئة الاستشارية لمجلس الشعب وقبل أن أقابله قابلت د. مصطفي الفقي وقال لي: أخبره بكل شيء وأنك شقيق عبد المنعم بدوي.. وربما أراد الفقي أن يثير اهتمامه لأنه لم يكن يعلم بقصة لقائي السابق به ومدي اهتمامه.. وبمجرد دخوله فوجئت بشخص مختلف تماما.. يعلو صوته لعدم ضبط أجهزة التكييف قبل أن يلقي علي التحية وأوضحت له كل النقاط التي جئت من أجلها وأخبرته بانتقادات الجميع لأحد رجاله المقربين.. فرد علي بعنف وأوضح أنه يقوم بكل شئ بنفسه ولم يقبل انتقاد أحد رجاله وأشياء أخري.. وكلمة السر لهذا التغير تكمن في أنه تجاوز حزام الخطر بالنسبة له لأنه كان قد بدأ في فترة رئاسته الثانية.
ولكن وجه لك انتقادا بأنك هاجمت بعض القوانين التي شاركت في صياغتها حينما كنت رئيسا للهيئة الاستشارية لمجلس الشعب؟
أنا لم أشارك في صياغة أي قانون, وكانت مهمتنا النظر في اقتراحات القوانين قبل عرضها علي المجلس لتحديد مدي سلامتها من الناحية الدستورية وكانت لجنة الاقتراحات بالمجلس تعترض وتتهمنا بالتعدي علي اختصاصاتهم, وكانوا دائما ينتهزون فرصة غيابي ويدخلون في معارك مع مجموعة المستشارين التي اعمل معها.. وأذكر أنني كنت الوحيد تقريبا الذي صدم الصحفيين حين أعلن حسني مبارك تعديل المادة76 وقلت إن هذه كارثة بالرغم من أنها تستبدل الاستفتاء بالانتخاب.. لأنني أعلم أن الانتخاب لا قيمة له طالما أن حق الترشح ليس مكفولا.. فلابد أن نعدل المادة77 أيضا.
الحديث عن الدستور والجمعية التأسيسية ذو شجون الآن وبعض الفنانين يطالبون بالمشاركة ضمانا لحرية الإبداع.. فما الذي يمكن أن تستلهمه من تجربة الدستور الأمريكي والأنجليزي( الماجنا كارتا) لأنهما مضربا الأمثال في العراقة والاستقرار؟
الدستور الأمريكي نشأ قطعة قطعة ولم يظهر للصورة مرة واحدة حيث قام في البداية اتحاد كونفيدرالي بعد حرب الاستقلال عام1776 وبعد نجاحه تحول لاتحاد فيدرالي مركزي, ولم يكن من الممكن وضع ضوابطه وقواعده مرة واحدة فكانت تصدر قوانين وإضافات معظمها خاصا بالحقوق والحريات.. فتم إقرار حق المرأة في الانتخاب وكذلك الزنوج.. أما انجلترا فليس لها دستور مكتوب صدرت بعض القوانين التي تعالج المسائل ثم ظهرت مسائل أخري بالعرف.. في مصر ولدت كل دساتيرنا كاملة ونظمت كل شيء ولكن بصورة خاطئة.. فدستور71 أبلغ مثال علي ذلك.. دستور1923 كان متكاملا بدليل أن رئيس الوزراء سقط في الانتخابات.. فالدستور يجب أن ينص علي الحقوق والحريات العامة ويفصل بين السلطات ويحد من سلطات الحاكم وحرية الإبداع من الحريات العامة ولا يستلزم التنويع ليشمل كل الفئات فكتابة الدستور لا تحتاج إلا إلي وطنيين مخلصين يشرعون للمستقبل ولا يستفيدون مما يضعون.. أما كتابة نصوصه فيجب أن تصاغ في نصوص محكمة وأن تكون الإحالة إلي القانون, فيما يتعلق بالتفاصيل لتنفيذ القوانين وإلا أصبحت نصوصه خاضعة لإرادة المشرع..
تصاعدت وتيرة الانتخابات الرئاسية ونقض الإخوان المسلمون عهدهم, وأصبح القلق يخيم علي أجواء الجمعية التأسيسية للدستور فماذا تستشرف في الأفق؟!
بالرغم من الضبابية التي تلف الأحداث وتزايد عدد مرشحي الرئاسة إلا أنه لا يوجد بينهم من لديه القدرة علي إحداث التغيير الشامل والانسجام مع متطلبات العصر واقتلاع جذور الفساد, الذي عم جميع مرافق الدولة, فذلك أمر يتطلب شخصية تاريخية من أمثال محمد علي أو غاندي, وأري في اهتمام الشعب بالتغيير, والجمعية التأسيسية وانتخابات الرئاسة, واللحظات الانتهازية التي أظهرتها التيارات الإسلامية ودور أمريكا في التأثير علي مجريات الأحداث وارتباط بعض التيارات بقوي خارجية صورة بانورامية كاشفة ماثلة أمام الجميع.واعتقد أن الانتخابات القادمة ستكون بمثابة نكسة للتيارات الإسلامية, وبالرغم من كل ما تقدم فأنا متفائل لأن الأمور وصلت الآن إلي الحدود التي لا يمكن بعدها إلا حدوث تغيير شامل كامل يتفق مع أهداف ثورة يناير.





المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق