الجمعة، 6 يناير 2012

رائد أدب الأطفال يعقوب الشاروني ‏:‏ حكاية الفيل مع الأرنب يجب ألا تروي للصغار ‏!



ذكريات رائد أدب الأطفال يعقوب الشاروني ـ‏1931‏ ـ هي خزانة ذكرياتنا جميعا‏..‏ هي استدعاء للطفل القابع في نفوسنا‏..هي حديث عن طفولة كل شيء في الحياة بنقائه.




الشاروني مع دكتور ثروت عكاشة
الشاروني مع دكتور ثروت عكاشة


الروائي الكبير الذي أصدر(400 كتاب) وعشرات الدراسات العلمية عن الأطفال, وترجمت أعماله لخمس لغات والرئيس الأسبق للمركز القومي لثقافة الطفل وصاحب جائزة أفضل كتاب علي مستوي العالم في معرض بولونيا عام2002.. من وصفته د.سهير القلماوي حين فاز بجائزة أحسن كاتب للأطفال عام1981 عن قصة سر الاختفاء العجيب بقولها: مؤلفها لا يعرفه الأطفال فقط معرفة جيدة وإنما نعرفه نحن أيضا الكبار حين نقرأ قصصه لنقصها علي الصغار.. نقرؤها لأن في أعماقنا طفلا لايزال يطرب لقصة أطفال, وهو في ذلك حقق آفاقا بعيدة المدي سهولة وبساطة وتعليما دون وعظ أو إرشاد أو رص معلومات, يعقوب الشاروني الذي انصهر في عالم الأطفال حتي أصبح منهم, وهم منه.. المنشغل دوما بقضايا الطفل التي يقدمها لهم في لقطة محكمة تؤدي إلي المعني في إحكام وإيجاز.. كان ياما كان واستلهام التراث بالنسبة له لا يعني إلا استمرار النماذج الإيجابية في الحياة, وتثبيت القيم.. أدبه المحلي تغلفه كل سمات الأدب العالمي من حيث إنسانية القضايا التي يقدمها والبحث عن أسبابها الدفينة.. يكتب بروح عصر النهضة بإتقان وغزارة وإبداع, واستخدام تقنيات الكتابة الحديثة من رمزية المعني والتحليل النفسي واللغة السلسة الرصينة.. وطرح وجهة النظر وترك الحرية للقارئ الصغير والكبير أيضا, فرواياته لها مستويات عديدة للقراءة.. يبتعد تماما عن المباشرة الفجة فعندما نصف شيئا نكون قد اختصرنا ثلاثة أرباع متعته ولكن عندما نوحي به فذلك هو الحلم ـ علي حد تعبير الأديب مالارميه ـ إنه الأثر العميق الذي يدوم في نفوس صغاره, فكتب لهم أحسن شيء إني حرة عن أطفال الشوارع الذين يتسربلون بظلمة الليل, وشجرة في قارب عن الأسر التي تعيش في قوارب تحت كوبري عباس فأسمعنا أنينهم الخافت دون عويل.. اللغة لدي الشاروني غاية وهدف تشحذ قلمه وفكره بالمعاني العميقة.. إنه الطفل الذي كتب له هانز كريستيان اندرسون قصة الملك الذي أراد من الحائك اختيار أفخر أنواع الأقمشة لثوب تتويجه.. فغاب وعاد وقدم له كف يده فاندهش الملك, وقال: ماهذا؟! فقال له الحائك: إنه قماش لا يراه إلا الأذكياء فادعي الملك أنه يراه, وادعي الوزراء نفس الذكاء, في حفل التتويج صاح طفل صغير الملك عار.. إنه الطفل ـ مستقبل الغد ـ الذي يقول للأعور أعور في عينيه.. بعيدا عن النفاق والحسابات والضلالات.. إنه يستحق منا أكثر القصص تشويقا وإلحاحا كما فعل الشاروني حتي لا تختفي عبارة وماذا بعد؟ التي تعني استمرارالسؤال والجواب والحوار وحيوية هذا الأدب الرفيع.







أنت تنتمي لعائلة فنية تصدرت المشهدين الثقافي والأدبي.. يوسف ويعقوب وصبحي الشاروني وهي شبيهة بعائلة الأخوات برونتي أصحاب رواية مرتفعات وذرنج وجين اير فلتحدثنا عن شذرات من طفولتك والتي تمخض عنها ظهور هذه المواهب الإبداعية ؟
بسماحة معهودة كما يكتب يجيب: أنا الابن الخامس بين تسعة أخوة خمسة ذكور وأربع أناث.. نشأت في بيئة تبجل القراءة وفي بيت يتسع لمكتبة كبيرة وحديقة غناء بمنطقة مصر القديمة, ووالد يهوي القراءة, وأخ أكبر( يوسف الشاروني) الأديب المعروف الذي تأثرت به كثيرا وهو يكبرني بست سنوات وكان يدرس الفلسفة.. وقد اخترت نفس التخصص في مسابقة التوجيهية.. اتساع البيت ساهم في تنمية النزعة الاستقلالية وممارسة الهوايات بحرية وعلي رأسها القراءة. كنت أذهب إلي دار الكتب في ميدان باب الخلق وسور الأزبكية وأحمل عشرات الكتب أضعها في دولابي الخاص الذي كنت أطلق عليه مكتبتي.. وبطبيعة الحال كانت القصة التي ترويها الأخت الكبري يوميا وأنا في الثالثة من العمر هي الشرارة الأولي لإشعال الخيال وتحفيزه إضافة إلي حكايات جدتي لوالدتي والتي كنت أسمعها منها حين أذهب إلي قريتنا شارونة بالمنيا وكان جدي يملك نسخة نادرة من ألف ليلة وليلة وبدأت قراءتها في العطلة الصيفية وأنا في الصف الثالث الابتدائي وكنت أقص الحكايات علي الزملاء في فترة الفسحة المدرسية.
ولكن كيف تم اكتشاف مواهبك في الكتابة وتنميتها وهل يشترط تقديم العون حتي تشب الموهبة عن الطوق ؟
بالتأكيد فقد كانت لي واقعة فاصلة في حياتي ساهمت في إذكاء موهبتي ومنحي الثقة والتشجيع اللازمين.. ففي الصف الثالث الابتدائي جمعنا مدرس اللغة العربية الأستاذ عبد الحق لمراجعة المنهج في نهاية العام فانزويت في نهاية الفصل ووضعت كراسة علي ركبتي وانشغلت بكتابة رواية.. وفجأة نادي المدرس اسمي ولم أكن منتبها وتقدم ناحيتي وسألني عما أفعل فقلت اكتب رواية.. فلم يتهكم أو ينهرني ولكنه قال لي: اقرأ بعضا مما كتبت علي زملائك.. وفعلت ما طلب وشعرت بالرضا في عينيه وربت علي كتفي بقوله: أجلس وأكمل روايتك ربنا يفتح عليك يا ابني وأنا أعتبر هذه الجملة هي أول جائزة أحصل عليها في حياتي فتشجيع أصحاب المواهب من أهم أسباب ازدهارها وإيمان أصحابها بجدوي بذل الجهد لصقلها وتنميتها.. فنحن كأخوة تميز كل منا بإبداع خاص يوسف في الأدب وصبحي في النقد والفن التشكيلي.. وإذا كانت البيئة مواتية لهذه المواهب فهي تؤتي ثمارها بالفعل, لكن الإبداع لا يورث ولا العبقرية أيضا ولكنها تصنع.. فالشخص المبدع يتميز بتوافر القدرات وسيولة الأفكار وتداعي الصور والقدرة علي تقبل الجديد والاستقلال في التفكير وحب الاستطلاع وإثارة التساؤلات وتقديم أجوبة غير نمطية وأي إبداع يتضمن بين ثناياه بعض عناصر التغيير والخروج علي الصيغ المألوفة.
درست الحقوق وعملت بهيئة قضايا الدولة ووصلت إلي درجة تعادل رئيس محكمة فلماذا لم تدرس الأدب منذ البداية وتركت القضاء لتذهب لقصور الثقافة, فما هي العوامل التي حفزت تغيير مجال عملك تماما ؟
الموهبة أولا.. ثانيا أنا درست القانون لأن خريج الآداب كان يعمل مدرسا فقط.. لكن طالب الحقوق يدرس الدوافع والفروض والحيثيات وكنت أعتقد أن المحامي يحتاج لقدرات ومواهب ممثل قدير.. وكنت أهوي التمثيل وأصبحت رئيسا لفريقه في المرحلة الثانوية وأعشق المسرح مسرح توفيق الحكيم بصفة خاصة.. وأستمتع بحواره المسرحي إضافة لقراءاتي في الفلسفة وعلم النفس وحبي الشديد للسينما.. وكنت عضوا في نادي السينما بالجامعة الأمريكية منذ سن الثانية عشرة.. فالقراءة كانت جزءا أصيلا من تكويني وقد حصلت علي الجائزة الأولي عن مسرحية أبطال بلدنا عام1960 في مسابقة المجلس الأعلي للفنون والآداب وأنا في التاسعة والعشرين من العمر وعرفت باسم جائزة الدولة الخاصة وهي تعادل الجائزة التقديرية وتسلمت الجائزة من جمال عبد الناصر وكان الفائز الثاني الطالب المسرحي الشهير علي أحمد باكثير فمنحتني الجائزة دعما نفسيا وتأكيدا لقدراتي, وفائدة الجوائز تتمثل في معرفة الإنسان لمكانه بين الآخرين وحين طلبت التفرغ الأدبي عام1963 كتب توفيق الحكيم أزكي هذا الطلب بكل قوة لما أعرفه عن يعقوب الشاروني من موهبة تجلت في مسرحية أبطال بلدنا.
هل ذكاء الطفل المصري من أعلي المستويات قبل سن أربع سنوات كما يقال وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا نستغل هذه الثروة ونشكو فقر المواهب ؟
الطفل المصري من أذكي الأطفال بالفعل, ولكن الحديث عن الذكاء يتضمن مستويات عديدة.. فإضافة للعوامل الوراثية فإن البيئة لها أثر كبير في تنمية اتجاه معين ومعظم الأطفال العاديين يولدون بموهبة ولكن تتغافل الأسرة عن اكتشافها.. وفي الصين واليابان اتبعوا الأسلوب العلمي لاكتشاف المواهب مبكرا فكانت نهضتهم المشهودة لأنهم اتبعوا الأسلوب العلمي الذي يعظم من السنوات الست الأولي في تعليم الطفل حيث تكون القدرة علي اكتساب الخبرات بالحواس واللمس والأذن والعينين فائقة.. وهو أسلوب المعرفة عن طريق الخبرة بعد سن الثامنة تضمحل القدرات وفي مصر نقول العبارة الشهيرة مازال صغيرا فقد ثبت علميا أن مستوي ذكاء الإنسان بنسبة50% يتحدد في الفترة من يوم حتي أربع سنوات بل أن عالما روسيا شهيرا يقول أن الطفل قبل أن ينطق بكلمة واحدة يكون قد تعلم مليون خبرة لأنه يتعلم من البيئة المحيطة بحواسه وبدءا من سن أربع سنوات حتي الثامنة يكتسب الطفل30% أخري من مستوي الذكاء أي أن80% من قدراته العقلية تكون قد تكونت في سن الثامنة والعشرين في المائة الباقية من الثامنة حتي سن الثامنة عشر وهو السن الرسمية في المواثيق الدولية لانتهاء فترة الطفولة.. وقد اعتدنا في مصر الاحتفاء بقدوم الطفل بالملابس الجديدة والطبيب المعالج.. لكننا لا نكترث بتنمية عقله وقدراته منذ الميلاد اعتقادا منا أنه لا يفهم شيئا لأنه عاجز عن الكلام.. ولكن حتي الكبار لا يكتسبون كل خبراتهم عن طريق الكلمة.. فقد شاهدت منظرا بديعا في اليابان لخمسة آلاف طفل في الخامسة من العمر يعزفون الكمان كما لو كان كمانا واحدا وحين سألت جاءني الجواب بأنهم اكتشفوا موهبتهم في سن الثالثة وتم تدريبهم وفي سن الخامسة وصلوا إلي هذا المستوي المتميز.. سواء في الكورال أو السيرك أو الموسيقي( بيئات حاضنة للمواهب) وهي البداية الحقيقية لاي نهضة حقيقية والقاعدة أنه كلما تنوعت خبرات الطفل استطاع بناء علاقات جديدة والمثل الصيني يقول: اسمع وأنسي.. أسمع وأري فأتذكر.. أسمع وأري وأعمل فأفهم.
إذن سنوات الروضة لها أهمية قصوي في تحديد اتجاهات الطالب لكنها ليست جزءا من التعليم الأساسي عندنا ؟
هناك اتجاه وتخطيط مبدئي لأن تصبح هذه السنوات التي تسبق المرحلة الابتدائية جزءا من التعليم الأساسي بحلول عام2015, وإذا كنا نتحدث عن التشجيع أو ما يسمي بالتربية بأسلوب( الدعم والكف) أي دعم الاتجاه الصحيح وتشجيع الطفل أو الكف بنهره واستنكاره.. فأنا أؤكد علي أن المستوي الاقتصادي لا علاقة له بأسلوب التربية فمن الأهمية بمكان أن يشعر كل طفل بأن بيئته تحتفي بنجاحه ففي الطبقة الميسورة تكون هناك حفلة لطلبة(KG1) علي سبيل المثال وفي الأحياء الشعبية فالزغرودة رسالة امتنان وتصفيق باللسان يشعر الطفل بالمسرة والاهتمام وبذل المزيد من التحصيل والإقبال علي العلم وتفتح الموهبة ولكني أحذر من التعليم الابتدائي قبل سن ست سنوات لأن المناهج علميا مصممة ومناسبة لهذه السن حيث الحواس لا تكتمل لذلك نكتب الخط بحروف كبيرة لأن العينان لا تستطيعان التركيز في نقطة واحدة ونمو الأطراف لا يكتمل قبل نهاية هذه السن فهي مسألة فسيولوجية يجب احترامها وعدم التسابق لإلحاق الأطفال بالمدرسة قبل اكتمال نموهم, وكلما طالت رعاية الام كان ذلك أفضل فالبداية الدراسية المبكرة تسبب إعاقة للطفل وتنتج عنها كراهية للدراسة وتؤدي إلي نتائج كارثية.
تراجعت الأنشطة في المدارس لصالح المواد الدراسية الجافة.. ضغطا للحصص وترشيدا للنفقات.. فكيف يجد الأدب له متسعا في تربية وجدان الطفل ؟
هذه مأساة بالفعل لان الطالب يتحمل المواد الدراسية الأخري من تاريخ وجغرافيا ورياضيات بسبب هذه الأنشطة من الألعاب والموسيقي والرسم فكيف أنمي وجدان إنسان لا يرسم ولا يستمع للموسيقي.. فالتذوق لايأتي إلا بالممارسة عن طريق سماع أو مشاهدة الفن التشكيلي ثم نشكو بعد ذلك من هبوط الذوق العام.. والتوازن النفسي لا يتحقق إلا من خلال اكتساب العقل للخبرات واكتساب الوجدان للجماليات.. وهنا يتعاظم دور الأدب في تربية وجدانهم من خلال فتح نوافذ لتنمية قدراتهم وفهم ذاتهم والآخرين.. والكتابة للأطفال أصعب كثيرا من الكتابة للكبار لأنها تتطلب مراعاة بعض الاعتبارات الخاصة بمراحل النمو والخصائص النفسية فعقولهم مشبعة بالخيال المطلق ومن ثم يجب أن يمتلك كاتب الأطفال أدواته جيدا لأن الطفل يحب الدخول في موضوع القصة من السطر الأول ويفضل الخاتمة العادلة ومراعاة وضع القيم التي نريد بثها من خلال النسيج الفني بحيث لا تبدو مقحمة.
ما هي البذور التي تحرص علي غرسها في نفوس الصغار في قصصك التي يقرأها الكبار أيضا.. نظرا لتعدد مستويات القراءة فيها ؟
أبرز مجالات الكتابة التي أخذتها علي عاتقي كرسالة سامية تتمثل في أهمية الكشف عن قدرة الأطفال علي الإبداع وقبول الآخر واحترام الفتاة وأطفال الشوارع ومشاكلهم وذوي الاحتياجات الخاصة والواقع النفسي للأطفال العاملين واحترام البيئة.. ونشر أدب الخيال العلمي لأنه الأساس الذي يسبق التقدم العلمي دون إغفال القيمة التربوية في كل ما تقدم.. فيجب ألا تستهين بالقارئ الصغير وإذكاء قيمة التأمل وإدراكه.. أما القارئ الكبير فيجد من استلهامات التراث ولقطات الواقع واستخدام تقنيات القصة القصيرة التي تعالج موقفا أو تمسك بلحظة ما يجذبه للتفاعل مع النص حيث أحفل بالتحليل النفسي للشخصيات واللغة لها مكانة خاصة في أدبي وفي نفس الوقت أحرص علي الابتعاد عن المباشرة الفجة أو الرمزية الغامضة لكنه بين ذلك قواما.. ويجب ألا نغفل أن كل قارئ بداخله طفل قابع في زاوية ما في نفسه.. ومصداقية الكاتب هي التي تفتح له الأبواب لأنها تزيد عمله عمقا وفي قصصي الخير يدافع عن نفسه إلي النهاية لأن قوة الإنسان الحقيقية في عزيمته لا الخوارق والأعمال السحرية.. ففي قصة رادوبيس يقول الحكيم اليوناني ايسوب للأطفال: إن الحزن والفرح وجهان للحياة وإذا حزن الإنسان يوما فلابد أن يجد ما يفرحه يوم في آخر.
ولكن بذور التعصب ترعرعت في مصر في الآونة الأخيرة وتفاقمت وغاب دور الأدب في الإصلاح.. فما هي الأسباب من وجهة نظرك?
ثقافة( الفرز) هي المسئولة عن ذلك بالمقام الأول فقد تفشت ظاهرة فصل الطلاب المسيحيين عن المسلمين في فصول خاصة من قبل إدارة المدرسة تسهيلا لحصص الدين وجمعهم في حصة واحدة ولم يعد هناك دمج بالقدر الكافي كما نشأنا في طفولتنا.. بل إن هناك ثقافة فرز في التعليم ذاته ومستوياته التي ستؤدي إلي وجود طبقتين متباينتين تماما الأمر كذلك للأطفال المعاقين يجب دمجهم وكتاب الأخلاق الذي يجمل فضائل الأديان السماوية الثلاثة كان من أفضل السبل للتقريب بين الطلاب ولكن تم استبعاده في السنوات الأخيرة ويحضرني هنا غاندي زعيم الهند العظيم الذي كان لا يبدأ أي اجتماع إلا بعد قراءة فصل من كتابهم الهندوسي الفيدا ثم قراءة سورة من القرآن وفصل من الكتاب المقدس.. فنحن لدينا سوء فهم للفن وللأدب كله.
وماذا عن أدب الخيال العلمي الذي تتحمس له وهل البيئة المصرية يمكنها احتواءه في ظل الظروف الراهنة أم أنه يعتبر رفاهية للأغلبية التي تبحث عن الأساسيات ولا تجدها خصوصا في العشوائيات ؟
ز س يحتاج لتوضيح وكلمة الصين التي لا يعرف أهلها الأديان السماوية تعني السعي الدائم وراء العلم دون كلل.. فبدون العلم لا مكان لنا في أي نهضة حضارية فالتفكير العلمي أسلوب حياة متكامل حتي في حياة الإنسان الخاصة حيث توضع الفروض ويتم التأكد من سلامتها, ووضع الأولويات والتفكير العلمي نقيض للتفكير العشوائي ويؤلمني أن العالم العربي غير مهتم بهذا الأمر فالأدب يقود العلم أولا كما حدث مع أدباء الثورة الفرنسية روسو وفولتير ففي مجموعة قصص ألف حكاية وحكاية قدمت للأطفال قصة الخليفة هارون الرشيد العائد من الحج والذي طلب الاستماع إلي حديث الإمام مالك بن أنس فأرسل يطلب منه الحضور إليه فرد الإمام مالك علي مبعوثه قائلا: قل لأمير المؤمنين أن طالب العلم يذهب إلي العلم أما العلم فلا يسعي إلي أحد وأقتنع الخليفة وجلس مع عامة الناس مستمعا إلي الدرس فالطفل يبحث عن القدوة والنموذج ويكون ذلك وسيلة من وسائل نموه وتشكيل اتجاهاته لذلك يجب أن نستغل هذا الميل الطبيعي لدي الأطفال ونقدم نماذج تعزز قيم الوطنية والبطولة والمثل العليا ليس من خلال الكتابة التاريخية الجافة كما يحدث دائما لكن من خلال أكثر الوسائل تشويقا وقبولا وإلحاحا أي من خلال الأسلوب القصصي.
يقال أن التراث ليس ما نرثه بل ما نورثه أي أننا ننسخ الكثير من وقائعه التي تتحمل التغيير بعيدا عن الثوابت فما هو موقفك من هذه القضية حيث تستلهم في بعض أعمالك ألف ليلة وليلة والحكايات الشعبية المتداولة ؟
التراث مادة تفاعلية يضيف لها الرواة والنساخ الجديد والمتغير في كل عصر بما يتوافق مع البيئة والقيم والجمهور وزمان الحكي, وأنا أستلهم فقط الإطار العام للحدوتة بالنسبة لألف ليلة وليلة مثل معروف الإسكافي وحكايات أخري عديدة لكني أحتفظ بسر القصة بما فيها من جاذبية وسر وعقدة فنية جعلها تعيش لألف عام أما كليلة ودمنة فهي نص لم يكتب للأطفال لكنها حكم جاءت علي ألسنة الحيوانات للحاكم وبسببها دفع كاتبها ابن المقفع حياته وهي تعادل الأمير الذي كتبه ميكيافيللي ولكن بعض الكتاب يخطئون ويأخذون منها قصصا للأطفال مثل قصة الفيل والأرنب.. حيث قام الأرنب بحفر جحر خاص له في مكان طريق الفيل المعتاد لشرب الماء.. فقتل الفيل بأرجله الضخمة أولاد الأرنب بالرغم من أنها غلطة الأرنب لكنه احتج علي الفيل( الحاكم) فلم يعتذر له أو يطيب خاطره بل وجد أنه ليس من حقه حتي أن يعاتبه.. فعقد الأرنب العزم علي الانتقام من الفيل واتفق مع الغربان فأكلت عينه فأصيب بالعمي وحفر مع أقرانه من الأرانب حفرة كبيرة وقامت الضفادع بالنط فيها وأطلقت نقيقها تمويها له بأن الحفرة هي بركة الماء ونظرا لأنه أعمي فقد سقط ومات وهي قصة انتقام يجب ألا تحكي للأطفال.. فالسياسة والأخلاق قلما يجتمعان.
معضلة القراءة تتجسد في عزوف الكبار وانشغالهم بألعاب الصغار علي الكمبيوتر فكيف نجتذب الطفل لعالم القراءة ونحفزه أمام هذا الإغراء التليفزيوني أيضا ؟
كل وسيلة لا تمحو الوسيلة الأخري كما علمنا التاريخ بل أن وجود الكمبيوتر هو أكبر دافع لتجويد الأعمال القصصية حيث تصبح القاعدة في ظل هذه المنافسة إن البقاء للأصلح والأكملس الحديثة تصدر عنها روائح وأصوات.. ومن هنا تتعاظم أهمية الرسوم في كتب الأطفال لأنها تكمل الكلمات.
ظاهرة هاري بوتر وملايين النسخ التي وزعتها الرواية يعزي سببها لارتباطها بالسحر وتلك هي المفارقة في بلاد العلم ما رأيك؟
المجتمعات الغربية تقوم علي دعائم التفكير العلمي وهو أسلوب ونهج حياة متكامل فالمقدمات تؤدي إلي النتائج.. بالرغم من ذلك فقد شاهدت في إحدي المرات آلاف الأشخاص يحتشدون لسماع محاضرة عن تحضير الأرواح أو القدرات الخارقة من جهة أخري ففكرة الإلهام لا تأتي أساسا من الهواء ولكنها نتاج أشياء عديدة وهذا ما توافر للمؤلفة الإنجليزية المبدعة ج.ك. رولينج.. فالرواية لها جاذبية خاصة ومن قبل هاري بوتر نجحت روايات عديدة مثل أليس في بلاد العجائب ولا يعزي ذلك( للسحر وعالم السحرة) في الروايات السبع التي وصلت مبيعاتها إلي65 مليون رواية وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الأدب في ظل تحدي الوسائل البصرية والرواية تشبع نزعات عديدة لدي المراهقين منها الهروب والتوحد مع الفتي النحيف هاري بوتر مثلما نتوحد مع لاعب كرة يحرز أهدافا بهدف إشباع الرغبة في النجاح والشجاعة التي تتسم بالتهور لمواجهة ما يصادف الأولاد من صعاب في عالم الكبار القاسي فالسحر مادة البناء الأساسية ولكن الرواية ترسخ قيمة المعرفة والعلم فالفتاة في الرواية كلما أعجزتها الظروف الصعبة توجهت للمكتبة للقراءة والإطلاع كما أنها تعظم من أسلوب الثواب والعقاب وسبب نجاح أي كاتب ليس فيما يكتبه من جمل وعبارات ولكن فيما يتركه في نفس قارئه من خبرات نفسية للعمل.. فيتلامس مع خبرات القارئ واحتياجاته وأحلامه ويصير جزءا من عالمه الداخلي لذلك تدافع القراء لشراء الأجزاء اللاحقة.
كتبت عن عالم العشوائيات وأقمنا الندوات وأسسنا الجمعيات الأهلية ومازالت المشكلة تتفاقم وتزداد تعقيدا واعتدنا عليها كواقع سينمائي نشاهده ولا نشارك في تقديم العون له أو حله جذريا. فماذا نفعل أذن ؟
نحن نتحدث عن العشوائيات منذ ثلاثين عاما وكنت أذهب إلي هذه المناطق وأتحدث إلي الأسر وأحيانا لا أجد ما أجلس عليه سوي صندوق صغير ولكن هذا لا يعني اليأس من الإصلاح.. لأن هذه العشوائيات مليئة بالمواهب ويتميز أهلها بالتكاتف الشديد وقت الأزمات واستطاع أهلها أن يخلقوا نمطا حياتيا وهم يأملون بإمكاناتهم الفقيرة في مستقبل أفضل ومن الممكن تحويل هذه الطاقات إذا خلصت النية وتوافرت الإمكانيات إلي طاقات منتجة لا سلبية ولكن للأسف السينما ركزت علي سلبيات العشوائيات وفي الأسلوب التربوي السليم لا يتم التركيز علي السلبيات بل تجاهلها وتعظيم الإيجابيات وتشجيعها بأسلوب الدعم.
ازدادت حدة الاعتصامات حتي طالت المعلمين.. فما هي الآثار الإيجابية والسلبية لها تربويا من وجهة نظرك ؟
يسعدني أنني تنبأت بثورة يناير مثل الكثير من الأدباء لأن الأدب استشراف للمستقبل في أرقي صورة وذلك من خلال قصة مغامرة زهرة مع الشجرةس.. بها الطلاب فتزعمت زهرة فتاة الصعيد- الأطفال والتفوا حول الشجرة وحموها بأجسادهم الصغيرة وكانت رسالتهم أقطعونا مع الشجرة ونجح تمردهم النبيل وترك المنشار جرحا غائرا في جذع الشجرة العجوز وحين سألتها الشجرة الصغيرة عن سببه قالت لها بنبرة أسي لولا هذا الجرح في جذعي ما كان لك وجود أيتها الشجرة الصغيرة والقصة بها استلهام من واقعة حدثت فعليا في الصعيد.. وهي تعلي من قدر الفتاة المصرية التي يتراجع دورها بالرغم من أنها نصف المجتمع.. فيما يتعلق باعتصام المعلمين فهو قدوة سيئة بلا جدال فهم قدموا مصلحتهم الشخصية علي المصلحة العامة حتي لو شعروا بالظلم.. عموما نحن نعاني من أزمة حوار يوجد شئ ما خطأ بالمجتمع حتي الجمعيات الخيرية التي من المفترض أن تعتني بشئون الصغار يتعاركون في مجالس الإدارات علي مكانة شخصية لكل منهم.. نحتاج لمراجعة نموذج الحوار في كافة المجالات وخصوصا الإعلام!!
ـ مامستقبل مشروع القراءة للجميع بعد أن طالته سهام الانتقادات عقب ثورة يناير؟
ـ مشروع القراءة للجميع مشروع قومي وليس مشروعا للهانم, لذلك سيستمر في دفع مسيرة التنمية الثقافية, ويؤسفني أن البعض وصفه بأنه وهم, ولم يكن وهما ولاسرابا, فقد طفنا بكل مدن وقري مصر, وأنا شخصيا حضرت عشرات الندوات التي تخص عالم الطفل.. فالإيجابيات يجب تعظيمها والاقتداء بها حتي لو كانت قبل الثورة, وأعتقد أن رجال ماقبل25 يناير سينالون جزاءهم العادل علي( المفاسد) التي تكون قد صدرت منهم وفقا للقضاء العادل لا للانطباعات الشخصية أو العبارات المرسلة.









المصدر : الاهرام




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق