الخميس، 5 أبريل 2012

حق المسجون في الإسلام



لا ينظر الإسلام إلى المؤسسة العقابية على أنها مكان لتعذيب المحكوم عليه، كما كان الأمر في العصور الجاهلية الأولى، بل ينظر إليها على أنها مكان لرعاية المحكوم عليه وتهذيبه وتأهيله وتنمية شخصيته وحمله على إحداث تغيير نوعي في مفاهيمه ومعايير سلوكه. وقد تحدثنا في العدد السابق عن السجون وأحوالها وعن بعض حقوق المسجونين، وفي هذه الحلقة نتابع الحديث عن تلك الحقوق، فمن الحقوق التي يجب عدم المساس بها.
• حق توفير الحاجات الضرورية للمسجون: من واجب الدولة أن توفر للمسجون ما يحتاجه من المأكل والمشرب والملبس وذلك بنص القرآن الكريم إذ يقول تعالى "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" الإنسان/8، والأسير هو الحربي الذي أسر في حالة الحرب مع المسلمين أو المسلم المحبوس بحق، وفي هذا السياق يقول الإمام علي كرم الله وجهه في قاتله ابن منجم "أطعموا وأسقوه وأحسنوا أساره"، وعلى الرغم من أن الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية "ص101" يرى أن الحاجات الضرورية تقتطع من أموال المسجون أي من ماله الخاص، فإن لم يكن له مال فمن بيت مال المسلمين، إلا أنني أرى أن الدولة مكلفة في هذا العصر بتوفير كل ما يحتاجه من مأكل ومشرب وملبس بشكل مقبول، وهذا ما هو معمول به في السجون في هذا العصر، وباختصار فإن على الدولة أن توفر للمسجون سبل العيش بصورة تتوافق مع الكرامة الإنسانية والمعايير المقبولة في المجتمع.
• حق المسجون في التعلم: من المعروف أن التعلم حق للجميع، وطلب العلم واجب على الجميع ذكوراً وإناثاً على السواء فقد قال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" رواه ابن ماجه.
والتعليم له دور كبير في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاح العلاقة بينهم وبن المجتمع، وإذا كان التأهيل الاجتماعي أو التكيف الاجتماعي هو إصلاح للعقلية أو النفسية الاجتماعية لشخص مجرم، فإن خير وسيلة لإصلاح هذه العقلية هي التعليم، كما أن خير طريق لعلاج هذه النفسية المضادة للقيم الاجتماعية والخلقية هي التربية والتهذيب، فالمسجون له حق على الدولة أن تيسر له التعليم والتثقيف المجاني، وذلك لأنها مسؤولة عن رفع مستواه الذهني ومؤهلاته التعليمية والثقافية، ولقد نصت المادة "26" من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على مايلي: لكل شخص حق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليم الابتدائي إلزامياً ويكون التعليم الفني والمهني متاحاً للعموم، ويكون التعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءتهم، ويجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وهناك وسائل تعليمية متعددة يمكن أن تحدث آثارها في تعليم المحكوم عليهم، ومن تلك الوسائل: إلقاء المحاضرات والدورس، إنشاء مكتبة داخل المؤسسة العقابية والسماح للنزلاء بارتيادها، إذ أن مكتبة السجن تلعب دوراً أساسياً في تثقيف المحكوم عليهم. ومن وسائل تثقيف وتعليم نزلاء المؤسسات العقابية توزيع الصحف والمجلات، والتي تعد من أهم وسائل التعليم غير المباشرة، فضلاً عن أنها تؤكد الصلة بين المحكوم عليهم والمجتمع الخارجي الذي يحترم القنون، مما يساعد على تأهيله واندماجه في المجتمع بعد الإفراج عنه.
• حق المسجون في العمل: أقر الفقهاء بأن للمسجونين الحق في العمل، حيث قال بعض العلماء: لا يمنع المسجون من عمل صنعته في السجن للنتائج الطيبة التي يحدثها عمله هذا مثل: النفقة على نفسه، أو دفع ديون، فللسجين الحرية في اختيار العمل الذي يناسبه والذي توفره له السلطة والمؤسسة العقابية، فتوفير العمل للمحكوم عليه يعطيه قيمة اجتماعية وشخصية لأنه يرفع من معنوياته ويكسبه الثقة بالنفس ويعزز دوره في مجتمعه ويجعله يشعر بأنه عنصر فاعل ومفيد في المجتمع.
• حق المسجون في التعبير عن رأيه وفكره: فحرية الرأي من أهم الحريات وأخطرها في حياة الإنسان، وتأتي أهميتها في الإسلام من لزومها لقيام المسلم بالجهر بالإسلام والدعوة له بالحجة والمقارعة، وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون إلا بحرية الرأي والتعبير، ومن ثم كانت كفالة الإسلام لهذه الحرية وحمايته لها، فالرأي الحر يعد حقاً للجميع لا فرق بين حاكم ومحكوم، وقد قرر الإسلام أن للمسجون الحق في العلم والاطلاع على ما يلزمه من معلومات ضرورية لتكوين رأي والتعبير عنه، ولقد نصت المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ثلاثة أمور في هذا الشأن:
- الأول: حق كل إنسان في حرية الرأي وحرية التعبير.
- الثاني: حق كل إنسان في تبني الآراء دون أي تدخل.
- الثالث: حق كل إنسان في أن يلتمس، ويلتقي، وينقل المعلومات والأفكار، من خلال أي وسيلة إعلامية، وبغض النظر عن الحدود السياسية.
• حق المسجون في الرعاية الاجتماعية: لقد نادى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بضرورة توفير سبل الرعاية الاجتماعية والصحية للمحكوم عليهم حرصاً على صحتهم وإقراراً للطبيعة البشرية الاجتماعية من خلال إقامة العلاقة بينهم وبين أقاربهم.
لا شك في أن الرعاية الصحية داخل المؤسسة العقابية تلعب دوراً مهماً في إصلاح المحكوم عليه وتأهيله، والإسلام حينما ينادي بضرورة الاهتمام بصحة المحكوم عليهم، إنما يريد بذلك التعرف على تاريخهم وملفهم الصحي، فقد يتبين من خلال فحص المحكوم عليه أنه يعاني أمراضاً نفسية أو عقلية أو عضوية قد تكون أحد الأسباب التي دفعته إلى الإجرام، وحينئذ فإن تأهيل المحكوم عليه وإعداده للعودة إلى المجتمع كمواطن صالح يحترم النظام وأحكام الدين، يتطلب بحكم الضرورة علاجه من تلك الأمراض التي أدت إلى ارتكابه الجريمة، ورعاية المحكوم عليه وعلاجه صحياً في عرف الشريعة الإسلامية هو حق تلتزم به الدولة دون مقابل، وذلك لأن هذا هو حق أساسي لكل إنسان، وبالتالي يجب توفير الرعاية والعلاج للمحكوم عليه بوصفه إنساناً، وإذا كانت الدولة قد سلبته حريته فحرمته من التردد على الطبيب وتدبير وسائل العلاج لنفسه. فإن واجبها يحتم عليها أن تقدم له البديل عما حرمته منه، فتوفر له في المؤسسة العقابية تحقيق الرعاية الصحية للمحكوم عليهم بكفالة سبل الوقاية مما يحتمل أن يتعرضوا له من مرض، ومن ثم توفير العلاج اللازم.
وتتقضى الرعاية الصحية للمحكوم عليهم بأن تكفل المؤسسة العقابية أساليب النظافة الخاصة بكل محكوم عليه سواء ما تعلق بنظافته الشخصية أو بنظافة ملابسه، وكذلك الاهتمام بتغذية المحكوم عليهم على نحو يدرأ عنهم احتمال الإصابة بمرض معين، وحفاظاً على صحة المحكوم عليهم، فمن الضروري تمكينهم من ممارسة الرياضة البدنية لما لها من نتائج إيجابية على صحتهم ونفسيتهم.
• حق المسجون في حرمة الحياة الخاصة: يقصد بحرمة الحياة الخاصة الحق في الزيارة والحق في المراسلة، فمن حق المسجون استقبال زواره من أفراد أسرته وأقاربه وأصدقاءه، ويجوز وضع بعض القيود وإخضاع ذلك للرقابة تفادياً من أن يؤدي ذلك إلى تهديد النظام العقابي، أو أن يؤدي إلى عرقلة تأهيل المحكوم عليه.
وكذلك أقر الإسلام بحق المسجون في الاتصال بأسرته وأصدقائه عن طريق المراسلة، فللمراسلات البريدية والبرقية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة فلا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.
• الحق في الخروج المؤقت للضرورة: أجازت الشريعة الإسلامية خروج المحكوم عليه في السجن لزيارة والديه وأولاده في حالة المرض الشديد، وكذلك لحضور جناو أحد الوالدين مع أخذ الحيطة والحذر واتخاذ الوسائل المناسبة لمنع هروبه، فخروج المحكوم عليه في مثل هذه الحالات من شأنه أن يسهم في تأهيل المحكوم عليه حيث يدعم تواصله مع المجتمع فتمكنه من الاطلاع على أحواله من وقت لآخر فيألفه ولا يكون غريباً عليه حين يعود إليه بعد الإفراج، إضافة إلى أن ذلك يطمئن المحكوم عليه على عائلته، مما يبعث في نفسه الهدوء النفسي والراحة ويدعم الأمل في استجابته لجهود التأهيل، كما وأنه وسيلة ناجحة لاختبار مدى استفادة المحكوم عليه من جهود التأهيل بوفائه بكلمته وعودته إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء مدة التصريح.
• حق المسجون في الإفراج عنه بانقضاء المدة: فالعقوبة في الشريعة الإسلامية لا تكون إلا بنص، إضافة إلى كونها شخصية فهي توقع الفاعل لا على غيره فقال تعالى: "ولا تزرُ وزرة وزر أخرى" فاطر/18.
والعقوبة تهدف في حقيقتها إلى حماية المصالح المعتبرة في الإسلام وهي حفظ الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال، ولذلك يجب الإفراج عن المحكوم عليه حال انتهاء مدة محكوميته، وإلا كان بقاؤه في السجن بعدها اعتداء على حريته الشخصية وإيذاء له في غير محله.
المصدر : المرأة اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق